الخوف
شـموع الامـل للدعم النفسى وتطوير الـذات :: شموع الامل النفسية :: الرهاب الاجتماعى والخجل :: استشارات: الخوف-الخجل- الرهاب الاجتماعى
صفحة 1 من اصل 1
الخوف
الخوف شعور وجداني طبيعى للعضوية المعرّضة لتهديد واقعي. ويتميزّ الخوف من الحَصَر، خوف لا عقلاني، دون موضوع، ومن القلق الذي لا يتضمّن مظهراً من النسق النباتي.
(1) التخويف الاجتماعي (الخوف المرضي) مشكلة هذا العصر:
أنواع الخوف:
الخوف أنواع ودرجات، وهي حالة تعترض مسيرة المرء في هذه الحياة، وهذه الحالة على أشكال كثيرة منها أمور محسوسة كالخوف من الحيوانات المفترسة مثلا، وهناك مخاوف من أشياء غير محسوسة كالخوف من المجهول أو الخوف من الفشل أو النجاح، أ والخوف من الموت أو من أمر غير محدد ونحو ذلك.
إذن هناك خوف طبيعي كالخوف من الحيوانات المفترسة والزواحف القاتلة، والخوف من عدو، والخوف من الظلام، فمثلا هذا الخوف يعتبر شعور طبيعي لدى الناس، بل لدى جميع الكائنات الحية، وكل إنسان يستجيب لهذا الشعور بطريقة مختلفة، إذن هذه تعتبر مخاوف طبيعية حين يعبر عنها بصورة واقعية، أما موضوع المقال فهو الخوف المرضي وهو خوف لا يتناسب والمثير، كالخوف من الأماكن المرتفعة أو ركوب الطائرة أو المصاعد والسلالم الكهربائية، والخوف من المواقف الاجتماعية المختلفة ؛ في الاجتماعات والاحتفالات والأفراح وفي المدرسة والعمل والأسواق، أو الخوف من مقابلة أفراد مهمين، أو الخوف من التحدث أم الحشود، أو إمامة الناس في الصلاة ونحو ذلك.
عبارة عن خوف غير طبيعي (مرضي) دائم وملازم للمرء من شيء غير مخيف في أصله، وهذا الخوف لا يستند إلى أي أساس واقعي
تعريف التخويف الاجتماعي:
والتخويف عبارة عن خوف غير طبيعي (مرضي) دائم وملازم للمرء من شيء غير مخيف في أصله، وهذا الخوف لا يستند إلى أي أساس واقعي، ولا يمكن السيطرة عليه من قبل الفرد، رغم إدراكه أنه غير منطقي، ومع ذلك فهو يقوده ويتحكم في سلوكه، هو شعور شديد بالخوف من موقف لا يثير الخوف نفسه لدى أكثر الناس، وهذا ما يجعل الفرد يشعر بالوحدة، والخجل من نفسه، ويتهم ذاته بالجبن و ضعف الثقة بالنفس والشخصية، فهو إذن عبارة عن اضطرابات وظيفية أو علة نفسية المنشأ لا يوجد معها اضطراب جوهري في إدراك الفرد للواقع.
مسميات التخويف الاجتماعي:
يطلق عليه في العربية عدة مسميات منها: الفزع، التخويف، الخوف المرضي و الخُواف، المخاوف المرضية، الخوف الاجتماعي المرضي، القلق الاجتماعي المرضي.
انتشار التخويف الاجتماعي:
وهو عََرَض نفسي منتشر بين مختلف فئات المجتمع، ويشير حسان المالح وآخرون إلى كونه اضطراب نفسي واسع الانتشار، تصل نسبة انتشاره بين 7%-14% في المجتمعات الغربية وغيرها، وهو اضطراب مزمن ومعطل، ولكنه قابل للعلاج، ويظهر عند الإناث والذكور بنسبة 2 إلى 1، كما يظهر عادة في سن الطفولة أو المراهقة، وهو يترافق مع اضطرابات القلق الأخرى ومع الاكتئاب، كما يمكن أن يقود لاستعمال الكحول و المواد المخدرة لدى بعض الأشخاص الذين يحاولون – فيما زعموا - معالجة أعراض خوفهم بها.
ويشير فيصل الزراد أن هذا المرض يمثل 20% من مرضى الأعصاب، في حين أشارت جريدة يومية سويدية أن نسبة انتشاره بين الشعب السويدي يتراوح بين 13 - 15 %، أما في الوطن العربي فليس هناك دراسات مسحية شاملة تبين نسبته، ولكن يذكر عبد الله السبيعي أن التخويف الاجتماعي من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً في مجتمعنا بالذات، ويعتقد أنه أكثر انتشاراً فيه من أي مجتمع آخر، مع عدم وجود دراسات إحصائية دقيقة لذلك، ويضيف قائلا: و يبدو التخويف الاجتماعي في الرجال - وبالذات المتعلمين منهم والشباب - بشكل أوضح منه في النساء، ويؤكد ذلك حسان المالح وآخرون: بأن بعض الدراسات في العالم العربي، إضافة للملاحظات العيادية، تشير إلى أن هذا الاضطراب واسع الانتشار في مجتمعاتنا العربية..، وتصل نسبة المصابين به، من مرضى العيادات النفسية إلى حوالي 13 % من عموم المرضى، المراجعين لتلك العيادات، ويؤكد ذلك عبد الإله الضعيفي بقوله: " من أبرز المشكلات الصحية النفسية والاجتماعية في مجتمعنا (السعودي) ومن خلال تجربتنا هو التخويف الاجتماعي والاكتئاب عند النساء والإدمان عند الشباب بأنواعه، وعصاب الوسواس عند الشباب والشابات، ويتفق معي الكثير من المتخصصين في هذا المجال لان المجتمع السعودي له خصوصيات تجعله يهاب طرح مشاكله بشكل علني ومباشر.
أنواع التخويف الاجتماعي:
التخويف ليس نوعا واحدا بل هو متعدد الأنواع، فهناك تخويف المرتفعات، وتخويف الأماكن الواسعة، وتخويف الاختبار، وتخويف الأماكن الضيقة، وتخويف الشرطة، وتخويف الناس والمجتمع، وتخويف المرأة من قبل الرجل، وتخويف الرجل من قبل المرأة وتخويف الوحدة، وتخويف اللون الأحمر حيث (هو رمز للجروح) وغير ذلك.
مظاهر وصور التخويف الاجتماعي:
ومن مظاهره الخوف المستمر الذي قد يرافقه أعراض أخرى، كالصداع وألم الظهر واضطرابات المعدة والإحساس بالعجز، والشعور بالقلق والتوتر، وخفقان القلب، والشعور بالنقص، وتصبب العرق، واحمرار الوجه، والشعور بعدم القدرة على الاستمرار واقفا، وتوقع الشر، وشدة الحذر والحرص، أو التهاون والاستهتار، والاندفاع وسوء التصرف، والإجهاد، والإغماء، وزغللة النظر، والدوار، والارتجاف، والتقيؤ، والاضطراب في الكلام، والبوال أحيانا، والعزلة، والانغماس في الاهتمامات الفردية لا الجماعية، كما أن من ظاهره التصنع بالشجاعة والوساوس والأفعال القصرية، وأحيانا الامتناع عن بعض مظاهر السلوك العادي، وخوف الفرد من الوقوع في الخطأ أمام الآخرين، كما يزداد خوفه كلما ازداد عدد الحاضرين - وليست كثرة الناس شرطا لحدوث التخويف الاجتماعي إذ انه يحدث التخويف للفرد عند مواجهة شخص واحد فقط – وتزداد شدة التخويف، كلما ازدادت أهمية ذلك الشخص، كحواره مع رئيسه في العمل مثلا..، وليس بالضرورة أن تكون كل هذه المظاهر، تصاحب كل حالة تخويف، ولكن تتفاوت بحسب الحالة ودرجة التخويف، وعمر الحالة، وطبيعة البيئة التي يعيش فيها الفرد.
وقد يوجد بعض المصابين بهذا العرض، يتشبث بصحبة شخص معين بالذات، كأمه أو أبيه أو صديقه، والمريض الغني الخائف من الموت يتشبث بوجود طبيب دائما إلى جواره، ومعه العلاج المناسب لكي يقي نفسه خطر الموت كما يتصور.
كما قد يكون التخويف معطلاً للنشاط، فيمتنع المصاب به عن الذهاب إلى العمل أو المدرسة لعدد من الأيام، كما أن كثيرا ممن يعانون من التخويف الاجتماعي ، يقضون وقتاً صعباً في ابتداء الصداقات أو المحافظة عليها.
ويمكن القول - بصورة عامة - أن هذا الاضطراب المزمن، يعطل الفرد وطاقاته، في مجال السلوك الاجتماعي ، فهو يجعله منسحباً منعزلاً خائفاً، لا يشارك الآخرين، ولا يستطيع التعبير عن نفسه، كما يصبح أداءه المهني أو الدراسي أقل من طاقاته وقدراته، إضافة إلى ذلك، فإن المعاناة الشخصية كبيرة، والمصاب به ويتألم من خوفه وقلقه ونقصه، وقد يصاب بالاكتئاب وأنواع من القلق والسلوك الإدماني.. ونحو ذلك.
عرض لنماذج من معاناة البعض من التخويف الاجتماعي:
نعرض فيما يلي بعضا من أسئلة أو تقارير الأخوة والأخوات ممن يعانون بصورة أو بأخرى من مرض التخويف
• أخاف من الظلام والأماكن المغلقة.
• لقد رفضت الترقية عدة مرات في عملي وذلك لأنني سأضطر أن أقود الناس وأوجههم وذلك مالا أستطيعه.
• لا أستطيع أن أمشي خارج البيت في الليل.
• لدي طفل في العاشرة من عمره اكتسب نوعا من الخوف الرهيب من المدرسة، لأن المشرفات على التنظيف يُخِفْن الأطفال بوجود الجن في المراحيض، كي تبقى تلك المراحيض نظيفة، ونتج عن ذلك خوف لديه حتى من التنقل بين غرف المنزل.
• أحس حينما أكون محط أنظار الآخرين وكأنني أقف على إسفنج.
• إن وقوفي في طابور المحاسب في الأسواق العامة، سبب لي كثيرا من المتاعب، وكلما اقتربت من نهاية الطابور، كلما ازدَدْتُ رعشة وتعرقا، وفي النهاية قررت عدم الذهاب للأسواق.
• أحس حينما أتحدث أمام الآخرين، أنني سأخلط الكلام ببعضه.
• ما هي أسباب الخوف من ركوب الطائرة وكيف يمكن التغلب عليه ؟
• أتمنى أن تبتلعني الأرض، و لا أضطر للحديث أمام الجمع من الناس، ولو كان عددهم لا يتجاوز عشرة أفراد.
• لا أستطيع التجوال في الأسواق، حيث كثرة الناس.
• أنا شاب أبلغ من العمر 29 عامًا، عندي حالة رعشة في أصابع اليدين، وهذه الحالة تزداد في حالة الغضب والتوتر، فتمتد إلى أجزاء أخرى من الجسم.
• لا أستطيع أن أمر بالأزقة الضيقة
• أنا رجل أخاف من التجمعات الاجتماعية كحفلات الزواج وغيرها، وأخاف حتى من أداء بعض الأمور اليومية، كمراجعة الدوائر الحكومية.
• لا أستطيع أن أصلي في الصفوف الأولى، حيث أصلي بجانب الباب أو نافذة مفتوحة.
• أحس أن وجهي تتغير معالمه حينما ينظر إلي الآخرون.
• لاحظت أنني لا أستطيع في الآونة الأخيرة، إمامة الناس حينما تفوتني الصلاة مع الجماعة الأولى.
• يوجد لدي خوف شديد، وتسارع في ضربات القلب، فما هو العلاج ؟
• أنا طالبة في الصف العاشر، أعاني من مشكلة هي رعشة الجسم دائماً، فمثلاً عندما أقرأ في الصف فقرة صغيرة، أو عندما أقف في الطابور أمام المعلمات، أو حتى عندما أدعو زميلاتي إلى المنزل تنتابني تلك الرعشة.
• لا أستطيع أن أذهب كضيف عند الأصدقاء، لأنني أخشى غلق الأبواب.
• أنا طالب جامعي، وعمري 21 سنة، عندي مشكلة، وهي أنني دائما (مرتبك وخائف)، وأن حركاتي سريعة، وكأنني (خبل).
• أعاني من مشكلة لا اعرف ما هي بالضبط، وهي عندما أريد إن أتكلم بين مجموعة من الناس، اشعر بخوف شديد وأيضا رعشة.
• لا أدري لماذا دائما، أحس بالضعف في مواجهة الآخرين.
• التخويف الاجتماعي مرض يكتسب، كيف يمكنني أن أربي ابني بشكل صحيح، فلا يعاني من أية مخاوف حين يكبر؟
• لا أستطيع ركوب الطائرة.
• لا ادري لماذا لا يمكنني الحديث، وينتابني الخوف من الخطأ، وأحس أنني سأتلعثم في الكلام، حينما يسألني الأستاذ في الفصل، رغم أنني اعرف الإجابة، بل احفظها عن ظهر قلب.
• إن شبح مواجهة الناس، هو الكابوس المفزع الذي يقلقني.
• أنا فتاة في أوائل العشرينيات، أشعر بخجل كبير، حين أشعر أن من حولي يركزون معي فيما أفعل.
• كيف أتغلب عن التخويف، فدائما أشعر بارتباك شديد، عندما أقدم على التحدث، أو التواجد بين العديد من الأشخاص ؟
• أنا شاب أعمل في مجال يقتضي مني التكلم بطلاقة، لكني عندما أقوم بعمل تقديم أو عرض، أشعر بدقات قلبي ترتفع، ونبضي يزداد، وأحيانا أعرق، وأكون في غاية الحرج.
• أعاني من حالة رعب شديد وخوف، عند القيادة في الطرق السريعة، تجعلني لا أتجاوز سرعة 60 كيلو، والخوف كذلك حين تخطي أية سيارة، خاصة الأتوبيس والنقل، على تلك الطرق السريعة.
• أعاني من نوبات خوف وهلع شديد، مع ضيق في التنفس و شعور بالموت.
هذه بعض من المعاناة التي يعانيها من ابتلي بهذا المرَض، وقد أطللت بعرض مثل هذه الشكاوى لغرض علاجي نفسي، وهو ألا يشعر باليأس أو القنوط من يعاني من أعراض التخويف، وأن هناك من يعايش ما يحسه من آلام، وأن كثيرين قد تم شفاؤهم بإذن الله تعالى.
أسباب التخويف الاجتماعي:
ليس هناك سبب محدد بعينه، ولكن وجود استعداد في الشخصية، مع أساليب تنشئة وتربية خاطئة، قد تقود لمثل هذا المرَض، وقد يكون الشعور بالذنب – كما يشير بعض الباحثين – ينعكس على شكل خوف أو فزع في الأفعال أو الأعمال من بعض الأمراض، أو خوف العواصف والرعود والحروب والزلازل، وقد يكون بسبب فعل منعكس عزز منذ الطفولة فعمم الفرد تلك الخبرة على مواقف مشابهة أو غير مشابهة لذلك الموقف السابق.
وهذا الاضطراب يظهر مبكراً، في سن الطفولة، أو بداية المراهقة، حيث وجدت دراسات مختلفة، أن هناك مرحلتين يكثر فيهما ظهور هذا الاضطراب: مرحلة ما قبل المدرسة على شكل خوف من الغرباء، و المرحلة الأخرى مابين سن 12-17 سنة على شكل مخاوف من النقد و التقويم الاجتماعي والسخرية، وهو مما يتصف به المراهق عادة.
و بالرغم من أن الإصابة بالتخويف الاجتماعي ، تحدث في هذه المراحل المبكرة، إلا أنه يعتبر أيضاً من الاضطرابات النفسية المزمنة، والتي قد تستمر عشرات السنين إذا لم تعالج، خاصة أن بعض المصابين بالتخويف الاجتماعي- حتى مع علمهم بهذه الحالة - قد يتأخرون في طلب المساعدة والعلاج سنين عديدة، إما بسبب خجلهم من الحالة نفسها، أو خوفاً من مواجهتها و الاعتراف بوجودها.
ولعل سبب كثرة انتشاره، في مجتمعنا العربي عامة يرجع إلى أساليب التنشئة الأسرية والتعليمية الخاطئة في مراحل الطفولة، حيث يعمد الأب إلى طرد ابنه من المجلس بحجة أنه مازال صغيرا، ولا ينبغي له الجلوس مع الكبار فهذا عيب، كما ينهره حين التحدث أمام الكبار، فهذا من قلة الأدب، كما أن الرجل لا يصطحب معه طفله، في المناسبات الأسرية والاجتماعية، لأن هذا عيب، إذ كيف يحضر أطفاله مع الضيوف والكبار إنه عيب اجتماعي كبير، ومنها زجر الطفل بكلام قاس وشديد وبصوت مرتفع حينما يخطئ ولو بشي تافه ... الخ، وما يقال عن الأب، يقال عن الأم مع بناتها وأطفالها، إلا أن هذه الأساليب الخاطئة، بدأت تختفي تدريجيا لكنها لا تزال بصورة أو بأخرى موجودة في الأرياف.
كذلك من أسبابها ما يحصل في المواقف التربوية المدرسية، حين يعمد المعلم أو المعلمة، إلى تعنيف الطالب أو الطالبة، حين يتطوع للإجابة ويخطئ أو تخطئ الإجابة، بل وجعل زملائه وزميلاتها أحيانا يسخرون منه أو منها ببعض الحركات التهكمية، وبالتالي يحجم أو تحجم عن المشاركة في المناقشة فيما بعد، حيث نعاني من قلة المشاركة، من قبل طلبة وطالبات الكلية، ولعل هذا من الأسباب.
ومنها أسلوب المعاملة، والذي يغلب عليه التحقير والإهانة، حين يقدم الابن أو البنت، في المبادأة في عمل أو إنجاز، أو طرح فكرة مشروع أو رأي، ونحو ذلك فيقابل بهذا الأسلوب من قبل الكبار، سواءً كانوا آباء أو أمهات أو معلمين ومعلمات .
ومنها أساليب التحذير المبالغ فيها، للبنين والبنات، من أمور شتى، ومنها استخدام الأساطير ( السباحين والحدوتات )، المشتملة على مواقف مرعبة ومخيفة، ومنها استخدام الرموز الافتراضية، لأجل كف أو منع أو تهديد الأطفال من بعض المواقف، مستخدمين في ذلك مثل هذه الرموز ( الحرامي، العفريت، الجني... الخ ).
ومنها ظروف البيئة المنزلية، وما يكتنفها من مشاجرات، وخصام وسباب وشتيمة، بين أفراد الأسرة، ويزداد الأمر سوءا، حين يكون بين الأبوين وأمام الأطفال، فيخرج الطفل من هذه البيئة، وهو يشعر بتصور عن العالم من حوله، أنه ملئ بالمشكلات والتهديد، فينعكس على شخصيته المتوجسة للخوف، والتي تعيش هاجسه، في بيئة فقدت الأمن، وبالتالي كَثُر الهم والحزن، ولذا نجد أن الله جل وعلا، نفى عن عباده الصالحين، كلا النوعين في يوم القيامة، في أكثر من خمسة عشر موضعا، قال تعالى: { فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة 38.
وترجع مدرسة التحليل النفسي للتخويف ، باعتباره تعبير عن حيلة دفاعية لا شعورية، حيث يحاول المريض عن طريق هذا المرَض، عزل القلق الناشئ من فكرة أو موضوع أو موقف مرَّ به في حياته، وتحويله إلى موضوع رمزي، ليس له علاقة بالسبب الأصلي، والذي غالبا يجهله المريض، فالتخويف إذن عبارة عن عملية دفاع، لحماية المريض من رغبة لا شعورية عدوانية أو مستهجنة في الغالب.
الأساليب العلاجية والوقائية:
تتنوع أساليب العلاج وتعدد، وهذا يتوقف على نوع التخويف وطبيعته ودرجته، فهناك العلاج السلوكي، ويقوم هذا النوع على إطفاء الشعور بالخوف عن طريق الممارسة السلبية أو الإغراق أو الكف المشترك، ويمكن المعالجة بالتعريض التدريجي للموقف المثير بحيث تتكون لديه ثقة في الشيء الذي يخاف منه، وذلك بأن يُجعل المريض في حالة تقبل واسترخاء ثم يقدم الشيء المثير تدريجيا مع الإيحاء والتعزيز، ومع المثابرة والتكرار يتعلم المريض الاطمئنان للشيء الذي كان يخافه، وهناك طريقة التخدير ثم التدرج في غرس عادة جديدة، ومن الأساليب أسلوب الإغراق أو الطوفان، حيث يقوم هذا الأسلوب، على مواجهة المريض، بأكثر المواضيع إثارة، حتى ينكسر الوهم، بالمواجهة لا بالتدريج، لكن لهذا الأسلوب – بحسب نوع وطبيعة الحالة – بعض الآثار السلبية.
ومن الأساليب التوجيه الإيحائي، بصورة فعالة وإيجابية، مما يؤدي إلى نتائج أفضل من العلاج السلبي العادي، ومن الأساليب العلاج الدوائي، ودور العقاقير هنا، هو إزالة أو تخفيف الفزع قبل حدوثه، ويستخدم مع بعض الحالات، قبل تطبيق العلاج السلوكي، وإلا فلا يوجد عقار، يقطع حالة الخوف، كما هو تأثير العلاج في الأمور العضوية.
وهناك وسائل وقائية، مثل منع مثيرات الخوف والحيلولة دون تكوين خوف شرطي أو استجابة شرطية، ومن ذلك عدم إظهار القلق على الأولاد، حين تعرضهم لموقف مثير للخوف مع العمل بكل هدوء – ما أمكن ذلك – لشرح طبيعة ذلك الموقف، ومن ذلك أيضا التقليل من المبالغة في النقد والتحقير والاستهزاء، وكذلك عدم إظهار خوف الكبار أمام أطفالهم لئلا ينتقل لهم هذا الخوف عن طريق التقمص والتقليد، ومنها تعويد الطفل على النظر للجوانب الإيجابية وعدم التركيز على الأخطاء فقط، ومنها تدريب الطفل منذ الصغر على مواجهة المشكلات ومحاولة حلها ومساعدته في ذلك بالتوجيه والتسديد.
تلك أبرز الجوانب المتعلقة في هذا العرض النفسي واسع الانتشار، والتي آمل أن أكون قدمت للقارئ والقارئة ما يجيب على كثير من تساؤلاتهم واستفساراتهم حول هذا المرض، مما يساعدهم على تخطي هذا الأمر، والعمل الوقائي لئلا يتكرر مع أطفالهم، سائلا الله أن يديم على الجميع الصحة والعافية والتسديد في القول والعمل .
حلول للاستشارات النفسية والسلوكية
ما هو الفرق بين الخوف و القلق المرضى؟
الإحساس بالقلق والخوف هو رد فعل طبيعي وذو فائدة في المواقف التي تواجه الإنسان بتحديات جديدة. فحين يواجه الإنسان بمواقف معينة مثل المقابلة الأولى للخطوبة أو الزواج، أو المقابلة الشخصية الهامة للحصول على عمل، أو يوم الامتحان، فانه من الطبيعي أن يحس الإنسان بمشاعر عدم الارتياح والتوجس، وأن تعرق راحتا يداه، ويحس بآلام في فم المعدة. وتخدم ردود الفعل هذه هدفًا هامًا حيث أنها تنبهنا للاستعداد لمعالجة الموقف المتوقع.
ولكن أعراض القلق المرضي تختلف اختلافًا كبيرًا عن أحاسيس القلق الطبيعية المرتبطة بموقف معين. فأمراض القلق هي أمراض يختص الطب بعلاجها ولهذا الاعتبار فإنها ليست طبيعية أو مفيدة.
وتشمل أعراض مرض القلق الأحاسيس النفسية المسيطرة التي لا يمكن التخلص منها مثل نوبات الرعب والخوف والتوجس والأفكار الوسواسية التي لا يمكن التحكم فيها والذكريات المؤلمة التي تفرض نفسها على الإنسان والكوابيس، كذلك تشمل الأعراض الطبية الجسمانية مثل زيادة ضربات القلب و الإحساس بالتنميل والشد العضلي.
و بعض الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلق التي لم يتم تشخيصها يذهبون إلى أقسام الطوارئ بالمستشفيات وهم يعتقدون أنهم يعانون من أزمة قلبية أو من مرض طبي خطير.
وهناك العديد من الأشياء التي تميز بين أمراض القلق وبين الأحاسيس العادية للقلق،حيث تحدث أعراض أمراض القلق عادة بدون سبب ظاهر، وتستمر هذه الأعراض لفترة طويلة. ولا يخدم القلق أو الذعر المستمر الذي يحس به الأفراد المصابين بهذا المرض أي هدف مفيد، وذلك لأن هذه المشاعر في هذه الحالة عادة لا تتعلق بمواقف الحياة الحقيقية أو المتوقعة. وبدلاً من أن تعمل هذه المشاعر على دفع الشخص إلى التحرك والعمل المفيد،فانه يكون لها تأثيرات مدمرة حيث تدمر العلاقات الاجتماعية مع الأصدقاء وأفراد العائلة والزملاء في العمل فتقلل من إنتاجية العامل في عمله وتجعل تجربة الحياة اليومية مرعبة بالنسبة للمريض منذ البداية. وإذا تُرك المرض بغير علاج، فيمكن حينئذ أن يحد عرض القلق المرضي من حركة الإنسان بشكل كامل أو أن يدفعه إلى اتخاذ تدابير متطرفة مثل أن يرفض المريض أن يترك بيته أو تجنبه المواقف التي قد تؤدي إلى زيادة قلقه.
(2) الخوف.. سيجعلك تسلك حياة فاشلة :
غالبا ما يكون الخوف هو المسؤول عن إبقائنا في الظل، فهو يوسوس لنا أننا لن نستطيع تحقيق أحلامنا، يخبرنا أن نبقى صامتين، ويكبح جماح رغباتنا في التعبير عن أنفسنا بحرية و دون خجل.
للخوف قوه غير محدودة في جعلنا نتجمد في أماكننا ويحدد فرص نجاحنا في ما نحاول أن ننجز.. الخوف باختصار يجعلنا نسلك حياة صغيرة ولا تمت بصلة لما نحلم به.
قد تكون الأشياء التي نخاف منها مختلفة، لكن ردة أفعالنا تجاه الخوف عادة ما تكون متشابهة عند جميع البشر. فعند الخوف تتعرق اليدين، ويجف الحلق، ونكون على استعداد لعمل أي شئ أو تقديم أي تضحية لمجرد الهرب. حاول التفكير كم مرة أهدرت فرصة أو تجنبت علاقة لمجرد انك كنت تخاف من الاستمرار أو المغامرة.
الخوف ليس أمرا سيئا. فهو موجود لحمايتنا كنوع من الإنذار المبكر. لكن هناك فرق كبير بين الخوف الصحي الذي يخبرك بالتراجع قبل السقوط من فوق مرتفع حاد و بين الخوف الذي يسيطر على حياتك بحيث يمنعك من العيش و الانطلاق.
ينصح العلماء في حالة إصابة الإنسان بالخوف الذي يسيطر على حياتهم بأن يحاولوا أن يتخلصوا منه أو على الأقل محاولة السيطرة عليه، ويقترح العلماء الحلول التالية للتخفيف من وطأة الخوف:
* الاتصال مع الآخرين:
مهما كانت المخاوف كبيرة أو صغيرة، تكون مواجهه الخوف اصعب إذا ما قررت مواجهتها لوحدك. حاولي إيجاد صديقة أو أي شخص ترتاحين إلية لتبثي له مخاوفك. قد يساعدك هؤلاء الأشخاص في تبديد هذه المخاوف أو قد يشجعونك على التغلب عليها.
تعلم الاسترخاء:
إذا ترك الخوف لينمو و يكبر فأنة سوف يؤدي إلى الكثير من المشاكل النفسية. إذا كان خوفك يسبب لك أمراضا بدنية حاولي استخدام أساليب الاسترخاء لكي تكوني مستعدة بدنيا لمواجهه مخاوفك.
واجهه مخاوفك:
المقصود هو التعود على المواجهة وليس على تعريض نفسك للأذى. بمعنى واجهي مخاوفك بأن تتحدي قدراتك ولكن بالقدر الذي يسمح لك بالتعلم و ليس أن يزيد الخوف عندك. إذا كان الخوف من شيء نفسي كالتحدث أمام الجمهور مثلا فحاولي أولا التحدث أمام عائلتك ثم جمع من الأصدقاء و من ثم زملاء العمل وهكذا تبدئين في التغلب على المشكلة حتى يزول خوفك كليا.
وعلى صعيد آخر، فالكاتب الإسكتلندي روبن سيغر صاحب كتاب جعله أهم محرّض على مواجهة الخوف وإسكات الأصوات الداخلية التي تحطم الإنسان وتمنعه من التقدم وتفجير طاقاته.. ولا يمل القول للجميع "إن الإنسان عقّد حياته بسماحه للأفكار السلبية بالسيطرة على عقله" .
وقال الكاتب، "إننا في حين قد نعجز عن صنع الأفكار السلبية من التسلل إلى عقولنا، فان الخيار يعود إلينا في إعطائها السلطة أو تغييرها بكل بساطة".
يرى سيغر، أن الأشخاص يشعرون بالأمان مع الأفكار السلبية أو كل ما يؤجل انطلاقتهم نحو المجهول، نحو المغامرة، ونحو تحويل الحلم واقعاً. كما انهم غالباً ما يتذكرون الحوادث الأليمة وآراء الآخرين السلبية فيهم، والنتيجة أن العقل المحاط بالسلبيات، يعمل منطلقاً من الركيزة الحاضرة فيه.
الذين يتمكنون من تخطي الصعاب والخيبات والفشل المتكرر، غالباً ما يعملون على البحث عن سبل لفهم الحياة. وسيغر من الأشخاص الذين فهموا بعد سلسلة من الحوادث انه لا بد من أن يمسك الإنسان بزمام المبادرة في ما يتصل بقراراته وتغيير مسار حياته.
في المرحلة الأولى يجب تغيير مفهوم العقل و إسكات الأصوات الداخلية المدمرة التي تتوقع الفشل. وفي المرحلة الثانية يجب تحويل الأفكار واقعاً. الخطوات الواقعية تدعم الأفكار الإيجابية، "فإذا كنا سنشارك في الماراتون، لا يكفي أن نطبع الأفكار المشجعة في عقولنا، بل لا بد من أن نموت يومياً لتنمو قوتنا الجسدية".
(4) علاقة السلطة بالخوف :
للاسف كثيراً ما يتم الربط بين السلطة والخوف. لذا كثيراً ما يكون رمز السلطة شخص نهابه كرجل الشرطة بالنسبة لقانون الدولة والاستاذ بالنسبة لنظام المدرسة والأب بالنسبة لقواعد المنزل.... ألخ
الاحترام يبدأ من الاهل تجاه الاطفال الذين يبادلون اهلهم الاسلوب نفسه. فالأهل هم القدوة لابنائهم. عندما يزداد الخوف من الاهل يقل الاحترام لهم، ولا ينمو الطفل بشكل سليم. ولكي ينشأ طفلنا ديموقراطياً في افكاره وتصرفاته علينا ان نتعامل معه بديمقراطية.
90 % من الاطفال يتمردون على ذويهم وهذا امر طبيعي فالتمرد عامل من عوامل النمو وبناء الشخصية. لذا على الاهل تقبل هذا التمرد واعطاء ابنائهم حرية الرأي والتعبير واتخاذ القرارات ما دامت هذه الخيارات لا تهدد مستقبلهم.
الطفل بحاجة الى سلطة ترسم له حدوداً والا كانت تصرفاته اعتباطية،انفعالية ومتهورة، لذا فالطفل بحاجة الى قواعد توضح له الفرق بين المسموح والممنوع ليشعر بالأطمئنان.
فالمدرسة النموذجية تلتزم بمواد حقوق الانسان وتطبقها من خلال فلسفتها التربوية.
حين يعتاد الطفل على روتين معين من النظام منذ الطفولة يسهل على الاهل حسم الامور معه. اما اتخاذ القرارات فيجب ان تسلم تدريجياً الى الطفل لانه في سن معين لا يدرك عواقب افعاله لذا ياخذ الاهل الكثير من القرارات عنه ريثما يدرك مصلحته.
يجب ان يتفهم الاهل ان خيارات اولادهم واذواقهم ليست دوماً مطابقة لهم، فمن الضروري احترام رغبات الطفل ومساعدته على بناء شخصية متوازنة.
ممارسة السلطة لا تكون بالعنف اللفظي او الجسدي بل بالحوار. والسلطة الافضل تكون السلطة الحازمة والمستمرة اي التي لا تتبدل وفق الظروف او مذاج الاهل، والا تحول مفهوم السلطة لدى الطفل الى مفهوم الديكتاتورية.
احترام سلطة الاهل يدفع الطفل الى احترام سلطة ونظام المدرسة فيما بعد، من ثم الجامعة، فنظام العمل والدولة.... ألخ
(5) ثقافة الخوف :
يعرّف الخوف على المستوى الكينوني (الأونتولوجي) بأنه نزعة غريزية قطيعية هي استجابة طبيعية للنزعة الحيوانية للسيطرة. إذن يوجد الخوف طبيعياً حيث توجد ارادة السيطرة طبيعياً، وهو شبه ثمرة علاقة الاقوى بالاضعف، في عالم الغابه، وليس استمرار هاتين النزعتين الحيوانيتين إلا نتاج ما ترسب في اللاوعي الجمعي للبشر قبل ان ينفصلوا عن الطبيعة ويتحسسوا ذاتهم ككائنات انسانية، الامر الذي من شأنه ان يفضي بنا الى الاستنباط القائل بالاضمحلال التدرجي لارادة السيطرة ورغبة الخضوع كلما تمكن الانسان من السيطرة على الطبيعة، وعمّق منجزاته المدنية والحضارية.
وعلى المستوى الفردي (العاطفي والشعوري) فإنه بمقدار ما تزداد مساحة الخوف في الداخل الانساني، بمقدار ما تضيق مساحة الشعور بالحب والشجاعة والاحساس بالكرامة والتوادد والرحمة، حيث يلعب الموت دوراً محورياً، اذ يتم من خلاله - حسب هوبز - الفرار من التساوي امامه الى تمايز يؤمن البطولة والشهادة والخلود، وهنا يتدخل الشأن الالهي، لتأسيس قانونيته القائمة على الامر والطاعة.
اما على المستوى ( الاجتماعي - السياسي)، فتحدد ثقافة الخوف وفق معيار درجة ديموقراطية الحياة الاجتماعية والسياسية او الهيمنة الشمولية الطغيانية.
يقارن ياسين الحافظ برهافة مشوقة بين بنيتي المجتمعين، الغربي المدني الديموقراطي، والشرقي الاستبدادي الطغياني ، يقول في سيرته الذاتية: "في الغرب، كنت أذهل عندما ارى قوة الفرد وجرأته وثقته بنفسه او تحرره الكلي من مختلف اشكال الخوف هناك الفرد ديك، هنا الفرد دودة. هناك حبل سرة الانسان موصول بالالوهة، وهنا حبله مقطوع بتاتاً، بما هو عبد، هناك العنفوان، وهنا الوداعة، هناك بروميثيوثية طاغية، وهنا القناعة وراحة البال، هناك الشك والتساؤل والنقد، وهنا اليقين والتلقين والامتثال"، وعندما يتساءل عن العوامل والاسباب التي أدت الى هذه القوة للفرد الغربي، يجدها في حقيقة "ان بلاده كفت عن ان تكون بلاد الخوف". بينما الفرد في ديارنا العربية، منذ سنواته الاولى وربما منذ شهوره الاولى، تتعاوره اشكال لا تحصى الخوف من العائلة، من المعتقد الايماني، من التقليد، من المجتمع، من المدرسة، وأخيراً من السلطة الاستبدادية الشرقية
هكذا تتحد ثقافة الخوف، بمثابتها نتاجاً مكثفاً مزدوجاً للطغيان و طغيان السلطة الاستبدادية وطغيان ثقافة الغالبية و عندها يدخل المجتمع والسلطة معا نفق الرعب، القوة، البطش. وكلما ازداد البطش استفحالا ازدادت النفوس خواء وفقرا.
فقيرة تلك النفوس، التي تنظر الى داخلها فلا تجد إلا الخواء، فتملؤها بالبطش والعنف، هكذا يتأمل افلاطون احوال زمانه وحكامه. عندما تنعدم الحرية، يسود الظلام ويكثر الوشاة، وتحاك الدسائس والمؤامرات، ويسود الشك والحذر والريبة، حتى يطاول الحاكم المدجج بكل صنوف القوة، الذي يعيش اسير قوته، بعد ان يفقد الثقة بالجميع ممن يحيطون به، ولهذا يجعلهم جميعاً عيوناً ليس على الناس فحسب، بل وعلى بعضهم بعضاً. واذا تطلب الامر فانه لا يتردد بسبب شكه ان يبطش بأقرب المقربين له، وعلى هذا يخلص افلاطون، الى ان قوة الحاكم ليست إلا نتاج ضعفه، وهو اذ يتوهم السيادة فانه في حقيقة أمره "عبد". انه عبد لشهواته، وميوله الحيوانية العدوانية للسيطرة، وعبد هواجسه التي تجعله يقضي حياته خوفاً على اوهام رفعته التي كانت قد شوهتها السلطة، فجعلته أشد الناس حسداً وغدراً وظلماً، وأتعس الناس قاطبة، فهو بلا اصدقاء، لأن كل من يحيط به محكوم بالرغبة او الرهبة، والتزلف والتملق، الذي يبلغ حد اضفاء الالقاب الالهية، والصفات النبوية على ذاته البشرية، حتى ان الوليد بن عبد الملك استفسر ذات يوم في عجب "أيمكن للخليفة ان يحاسب" طبعاً ان سؤاله هنا لا يتوجه الى حقوق الرعية بمحاسبة حاكمها، بل الى حقوق الله ذاته.
يحدثنا السيوطي عن يزيد بن عبد الملك انه " أتى بأربعين شيخا فشهدوا له، ما على الخلفاء حساب ولا عذاب" وكان قد سبقه ابوه عبد الملك بن مروان في خطبته الدستورية عندما صعد المنبر ليقول: "والله لا يأمرني احد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه، ثم نزل".
وفق هذه الفلسفة التراثية التي تميز خصوصية الذاتية الحضارية للدستور السياسي العربي التي يُنظّر لها فلاسفة الاصالة المحدثنة، فان ديار العروبة تبدو اليوم هي الاكثر تمثلاً لهذا الجانب التراثي التليد، حيث غياب دولة الحق والقانون، وشخصنة السلطة، هي السمة المميزة للنظام العربي القائم، فكيف - والامر كذلك - لا تكون ثقافة الخوف، هي الثقافة الجامعة، والموحدة للحاكم والمحكوم، حيث الخوف يعشعش في صدور الحاكمين والمحكومين على السواء. المجتمع يخاف السلطة، والسلطة تخاف المجتمع، وكلهم في فلك الرعب يسبحون.
ما هي عناصر البنية الداخلية لثقافة الخوف:
يحدد جورج أورويل في روايته (1984) عناصر بنية ثقافة الخوف، بأنها البنية المؤسسة على التفكير المزدوج. فما هي هذه العناصر؟
انها: ان تعرف وان لا تعرف، ان تعي حقيقة صادقة كل الصدق وترى بدلا منها كذبات موضوعة بعناية، وان يكون لديك في اللحظة نفسها وجهتا نظر متباينتان وانت تعتقد، وتؤمن، بهما كليهما. وان تستخدم المنطق ضد المنطق، وان تنكر الفناء بينما تدعيه، وان تعتقد بأن الديموقراطية غير ممكنة وفي الوقت نفسه تنادي بأن الحزب الحاكم هو بيت? للديموقراطية، وان تنسى ما تدعو الضرورة ان تنساه ثم تستعيده الى الذاكرة في اللحظة التي تحتاج فيها اليه ثم تعود فتنساه مرة ثانية. والانكى من ذلك كله، ان تطبق الطريقة نفسها في حالة الايجاب والسلب. (الرواية ص174).
الخوف لا يقتل الأنا الاخلاقية في الفرد فحسب بل يقتل الأنا القانونية في داخله، عندما يكون جوهر العلاقات الحاكمة للنظام المستبد هو الاعتباطية المقيدة على حد تعبير حنة أرندت ، فان كل شيء يغدو ممكنا في ظل دولة جوهر نظامها الاستبدادي غياب القوانين، ولأنها اعتباطية غير منسرحة تتيح بعض الحرية ولو كانت فوضوية، فإن في دولة غياب القوانين ليس كل شيء ممكنا فحسب بل أيضاً يغدو كل شيء مستحيلا، وعلاقة الممكن بالمستحيل تحددها درجة القرب او البعد من مركز القمع. الخوف، فاذا كنت قادراً على التخويف فكل شيء ممكن، وان كنت في دائرة المفعولية فكل شيء مستحيل، حتى تصل درجة المفعولية الى درجة التعدي الى مفعول له ثان?، أو مفعول مطلق! والمستقبل يغدو قنبلة موقوتة، لكنها تطلق دقاتها في كل لحظة حسب ستيفن سبندر، هكذا تتسع فضاءات خصوبة اللامتوقع.
(6) صناعة البيئة الثقافية للخوف :
ما هي ثقافة الخوف، وكيف غدت موضوع بحث من لدن طيف واسع من علماء الانثروبولوجيا والسيسيولوجيا والسياسة؟ باختصار، إننا نقع في خضم ظاهرة ملتهبة ترتطم بمجمل حركتنا وانشغالاتنا الذهنية والنفسية. ولا يمكن أن نفسّر هذه الظاهرة مالم نعتقد جزماً بوجودها، ولكي نمتلك فكرة عامة عنها لابد من تعريف مكوّناتها.
إن أول سؤال يداهمنا هو كيف يتحول الخوف الى ثقافة؟
الثقافة، بحسب تعريف ادوار برينت تيلور عام 1871 في كتابه (الثقافة البدائية)، هي "مجموعة معقّدة تشمل المفاهيم والمعارف والمعتقدات والفنون والقوانين والاخلاق والاعراف وجميع القدرات الاخرى والعادات التي يكتسبها الانسان بوصفه عضواً في المجتمع". فالثقافة بحسب فرويد ذات طبيعة شمولية، وأنها تنصب في الانسان بكامله. وعليه فليس هناك ثقافة فردية يمكن إنتاجها خارج فضاء المجتمع، فالانسان هو "حيوان اجتماعي" بحسب ارسطو.
أما الخوف فهو أداة يستشعر الفرد عبرها بالمعاناة في القلب، ويستدمجها في نفسه، ويستوعبها. إنه قناة الطاقة التي تأخذ المعاناة عبرها طريقها الى القلب البشري. يبقى، أن تأثيرها لايشبه السهم ولكنها متراكمة في الخاصيّة، فهي لا تتم لمرة أو دفعة واحدة ولكنها تتكشف بصورة ثابتة، كما يذهب الى ذلك ثيودور أدورنو.
ثقافة الخوف، مصطلح مقترح في العديد من الطروحات السيسيولوجية التي تجادل بأن مشاعر الخوف والقلق تهيمن في الخطاب والعلاقات العامة المعاصرة، وتتغير بحسب علاقة أحدهما بالآخر كأفراد وكهيئات ديمقراطية. وبالرغم من أن كل هذه الطروحات قد تقدّم حسابات مختلتفة لمصادر وتداعيات الاتجاه الذي يرمون التوسل به لوصف هذه الحالة، فإن جميع هذه الطروحات تتقاسم المطلب الجوهري وهو أن ثقافة الخوف هي الى حد ما ظاهرة جديدة بدلالات شديدة الاهمية والخطورة.
لقد أصبح الخوف كحالة عاطفية وأونتولوجية غريزية رفيقاً حاضراً بسطوة في حياتنا اليومية.
لقد باتت الكرة الارضية كوكب الخوف الملتهب بظواهر مثيرة للفزع، بعد أن أخذت أشكالاً إجتماعية وسياسية معقدة تتمظهر في مجتمع المخدرات ومجتمع المباحث والمخابرات ومجتمع لوردات الحرب و باعة أسلحة الدمار الشامل.
يحدد هيدغر السمة الخاصة للخوف في "تحديد ما يخاف أمامه وما يخاف من أجله" الإنسان الخائف والقلق يجد نفسه (مكبّلاً) بما يشعر بنفسه فيه وفي مسماه لينقذ نفسه أمام هذا ـ أمام (هذا) الشيء المتعين، لا يشعر بالأمان أمام ماهو (آخر) أي إجمالاً يفقد صوابه.
هذا التصور للخوف، وهو موضوع دراسات علمية، نجده أحياناً مبهماً في منشأه وأصل وجوده، فليست مصادر الخوف واقعية أحياناً، وبحسب باري جلاسنر في (ثقافة الخوف) " إننا نخاف من أشياء هي في الغالب غير ضارة، ولكن خطورة الخوف تكمن في ما ينتجه من تصورات متشائمة تمسك بخناق مواقفنا، بما تجعلنا في حالة عجز تام عن حل مشكلاتنا ".
خصائص ثقافة الخوف
1ـ أنها ذات صفة جماعية، لا يقصد بها فرد ولا جماعة دون غيرها، بل هي الثقافة المتفشية في كل قلب ينبض وكل ذي روح. فثقافة الخوف أخذت معنى جماعياً ولم تعد ذات طابع إفرادي كما كانت النظرة الى مفهوم الثقافة حتى نهاية القرن الثامن عشر.
لم يعد الخوف مجرد إحساس فردي مستقل يضطر غريزياً لمواجهة أخطار مباشرة تتربص بالوجود البيولوجي للفرد، بل بات مندكاً في نسيج الوعي الجماعي للبشر، وتتجلى تمظهراته في أنماط العلاقة السائدة ولغة التخاطب اليومية ومنهجية التعامل بين مكوّنات المجتمع. فهنا تضمحل كينونة الفرد لتنصهر في الكيان المجتمعي الكبير الذي يقع تحت وطأة ماكينة ثقافة الخوف بطريقة جبروتية. يتعرض الافراد، خلال عمل الماكينة، لمسخ شامل للهوية والتفكير، والمشاعر و القيم الانسانية ليكون الخوف وحده قبطان السفينة، والموت حارساً عليها، والمجتمع مجرد كتلة بشرية مخطوفة على متنها.
فالفرد يعاد صياغته من خلال دمجه في المجتمع الخاضع تحت تأثير إشعاعات ثقافة الخوف، فلا يعود فرداً سوّياً مستقلاً بل هو جزء من مسخ جماعي، يكتسب خصائص المجتمع الممسوخ، يفكر كل فرد فيه كما يلبس وينطق ويهجس بطريقة واحدة، إنها أوركسترا الخوف التي تعزف لحناً موحداً لخدمة القائد الملهم.
في السياسة، يتولّد تواطىء عفوي بين المجتمع والسلطة السياسية على ممليات ثقافة الخوف، والتي تؤول مفضياتها الى تركين أسس الاستبداد بكافة أشكاله المفزعة. ثقافة تتفشى في البيت والشارع ورياض الاطفال والمدارس والجامعات والجوامع و المؤسسات التجارية والاعلامية والأندية و شبكات النخب الفكرية والصفوة الاجتماعية وصولاً الى القيادة السياسية. فمطلوب من الجميع أن يمتثل لعبادة الخوف على طريقته طالما أن العبادة ستكون خالصة لوجه السلطان ، تحقيقاً لمقولة " الناس على دين ملوكها" .
2ـ أنها طغيانية، يراد منها تحقيق درجة اكتساحية قصوى في التغلغل والتداول اللحظي بحيث تستحوذ بصورة دائمة ومتصلة على مجمل الانشغال الذهني والمشهد العام.
يرى جلاسنر بأن نجاح الخوف يعتمد ليس على القدرة في التعبير عنه فحسب، ولكن أيضاً على كيف يعبّر عن الهواجس الثقافية العميقة. ويسوق مثالاً على ذلك بأن الحرب في العالم كانت ناجحة لأنها مدمغة في مخاوف الشعب سابقاً من النازية والحرب العالمية الثانية، وراهنا من الارهاب وبخاصة عقب حوادث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
واذا كنا فيما مضى نجهل الكثير عن الكوارث الطبيعية والبشرية بفعل ضعف التواصل، فإن الثراء الاتصالي الذي حققه الانترنت والتلفزيون الفضائي ينقل اليناً معلومات عن دفعات هائلة من الجرائم الفردية والمنظمة وعمليات السطو والكوارث بكافة أشكالها بصورة لحظية.
إن إنتاج الخوف، عبر قنوات البث الاعلامي، يهيمن على مجمل فروع الصناعة، فقد أصبح الخوف مفتاحاً لتكنولوجيا السلطة. وفي الوقت نفسه، فإن سيرورة انتاج الخوف قد غيّرت مفهومنا للخطر وكذا طريقتنا في التعامل مع الخوف. إن آلة الخوف في حالة إزدهار، فالجيل المتواصل من مصادر ومضامين الخوف قد منحها وضع السيرورة التاريخية، المشفوعة بطلب متحوّل لوسيلة فهم، وسيطرة ومحو للاخطار الجديدة.
يعتقد باري جلانسنر بأن أي تحليل لثقافة الخوف يتجاهل الاعلام الخبري يعتبر ناقصاً. إن تأثير وسائل الاعلام (التلفزيون الفضائي بدرجة أساسية) كونه يجعلنا نشعر بأننا نعيش في عالم خطر للغاية، ويجب علينا حماية أنفسنا (بالسلاح، و تكثيف الرقابة البوليسية والاعتقالات، والتي هي من شأنها إشعار الناس بعدم الامن حين يرون كثافة تواجد رجال الامن والشرطة بزيهم العسكري في الشوارع العامة.
باري جلانسنر يوجّه أصابع الاتهام الى وسائل الاعلام الاميركية في تغذية ثقافة الخوف، والتي تسعى الى استقطاب جمهور المشاهدين والقراء من خلال تقديم أحداث تجمع بين الرعب والاثارة.
يعتقد جلانسنر وهو محق في ذلك بناء على مقولة للرئيس الاميركي ريتشارد نيكون بان البشر ينفعلون بالخوف أكثر من الود، ويعلق قائلاً بأن إثاره الخوف لدى أفراد المجتمع يضمن ولائهم بصورة أسهل بكثير من محاولة العمل على استقطاب تأييد المواطنين. مع اختلافنا في ربط الولاء بالخوف
وفى بعض الاحيان فان تفشى مشاعر الهلع لدى المواطنين الامريكيين يمنع المؤسسات الحاكمة والمواطنين من قبول فكرة تصحيح اية اخطاء مرتبطة بالمخاوف التى قد لا تستند الى اى اساس، بل ان انتشار الخوف بين الامريكيين ادى الى اجهاض الجهود الرامية الى استصدار قوانين منع انتشار الاسلحة النارية.
وحتى على المستوى الاقتصادي، فإن صناعة الخوف او اختلاقه بات تجارة مربحة للغاية بالنسبة لبعض المؤسسات الاقتصادية أو السياسية، بل إن وجود بعضها مرتبط بإستمرار حالة الهلع، كما هو شأن عقد صفقات الاسلحة الضخمة، واعلان حالة الطوارىء و الاحكام العرفية التي تشكل بحد ذاتها بيئة خصبة لثقافة الخوف.
يعتقد جلانسنر بأن ثمة دوراً مشبوهاً تزاول عن عمد وسائل الاعلام الاميركية لاقناع المواطنين بأن الموت يحيق بهم من جميع الاتجاهات بدءاً من ركوب السيارة وحتى تناول الطعام. ولحظ بأن الغرض من تضخيم هذه الحوادث لاستغلالها بطريقة خاطئة، حيث يقع المواطن الاميركي ضحية نظرية المؤامرة.
فقد اظهرت استطلاعات الرأى ان حوالى %75 من الامريكيين يشعرون بمخاوف غامضة لا يعرفون مصدرها، اذ ان كل شئ تقريبا اضحى يمثل لهم باعثا على القلق والارتياب، ويؤكد الامريكيون انهم يعيشون فى ظروف استثنائية عصيبة، بالرغم من الاراء التى تزعم سيطرة الولايات المتحدة على مقدرات العالم، ولكنها مع ذلك تعجز عن توفير الامان لشعبها فى الداخل،
وفيما يبدو كمحاولة هروبية من الواقع بات المجتمع الامريكى يدمن الاحساس بالخوف كتراث عزيز لا يسهل التفريط فيه، لدرجة ان ايا من المصنفات الفنية او العلمية التى لا تتصل بهذه الظاهرة لا يكتب لها الرواج فى الولايات المتحدة، مهما كانت درجة الاتقان والرصانة التى تتميز بها هذه الاعمال.
(إن الشيء الوحيد الذي علينا الخوف منه هو ذلك الخوف مما يصنعه الخوف) حسب مقولة منقولة عن الرئيس روزفلت عام 1933. ويشير كيرتشوف و كيرت باك الى أن "الاعتقاد بتهديد ظاهر يجعل من المحتمل شرح وتبرير احساس شخص ما بعدم الارتياح". فالخوف من الخوف يثير فزعاً أشد من الخوف ذاته.
إن التغطية الاعلامية تزيد في عدد الناس المصابين بأعراض تغذي التغطية الاعلامية.. فالخوف يخلق شيئاً ما نخاف منه. الخوف، بحسب باري جلاسنر " يدمّر تفاؤلنا ويجعلنا نعتقد بأننا غير قادرين على حل مشكلاتنا " .
وينقل باري جلاسنر عن البروفسور Esther Madriz في كلية هنتر الاميركية بانه أجرى مقابلة مع نساء في مدينة نيويورك حول مخاوفهن من الجريمة فكانوا يرددون عبارة "شاهدت ذلك في الاخبار" ويعلق هنتر على ذلك بأن الاعلام الاخباري لديه مصدر لخوفهم وسبب يجعلهم يعتقدون بأن تلك المخاوف واقعية. وفي سؤال استطلاعي على المستوى الوطني حول السبب الذي يجعل الافراد المشاركين في الاستطلاع بأن البلاد لديها مشكلة جريمة خطيرة، نقل 76 بالمئة منهم قصصاً شاهدوها في وسائل الاعلام، و22 بالمئة فقط رووا تجاربهم الشخصية.
قام البروفسوران Robert Blendon و John Young من جامعة هارفارد بتحليل سبعة وأربعين مسحاً حول استعمال المخدرات أجريت مابين عامي 1978 و1997، اكتشفا بأن اخبار الصحافة أكثر من التجربة الشخصية تزوّد الاميركيين بالمخاوف المسيطرة عليهم. فهناك 8 من أصل عشرة يقولون بأن مشكلة المخدرات لم تسبب مشاكل في عوائلهم، وأن الغالبية العظمى تروي تجربة مباشرة قليلة حول مشاكل ذات علاقة بمشكلة المخدرات. إن القلق المنتشر على نطاق واسع حول مشاكل المخدرات تنبعث حسب الباحثين من المخاوف في الاعلام الخبري وبخاصة التلفزيون. إن البرامج الخبرية المتلفزة تعيش على المخاوف.
أكثر من خمس مائة قصة نشرت في الصحف حول العنف في مواقع العمل خلال 1994 و1995، وكثير منها يتضمن إحصائيات مفزعة للغاية: 2.2 مليون شخص تعرضوا للاعتداء في العمل كل عام، وأن القتل هو السبب الرئيسي للموت في العمل بالنسبة للنساء وهو السبب الثالث بالنسبة للرجال.
نشر احصائيات حول الأمراض وعدد المصابين بها تثير دون ريب حالة هلع وتدخل ضمن صناعة بيئة ثقافية للخوف. في عام 1996 قام كاتب أميركي يدعى بوب جارفيلد باستعراض مقالات حول الامراض الخطيرة المنشورة خلال عام واحد في صحيفة الواشنطن بوست ونيويورك تايمز ويو اس أيه توداي. وتوصل الى أنه بالاضافة الى 59 مليون أميركي مصاباً بأمراض في القلب، هناك 53 مليون مصاب بالصداع النصفي، و25 مليون مصاباً بهشاشة أو ترقق العظام osteoporosis، الى جانب 16 مليون مصاباً بداء السمنة او زيادة الوزن obesity، و3 ملايين مصاباً بالسرطان، وفوق ذلك فإن كثيراً من الاميركيين يعانون من أكثر من مرض معيق المرتبط بالمفاصل (10 ملايين مصاباً) وإصابات في المخ (2 مليون مصاب). حين تجمع تلك التخمينات، يقرر جارفيلد بأن 543 مليون أميركي هم مرضى خطرين، وهو رقم صادم لأمة يبلغ تعداد سكانها 266 مليون. ويعلق على ذلك "إما أن نكون كمجتمع متشائمين أو أن هناك شخصاً ما يرسم صورة مضخمة".
إن القلق إزاء الاخطار الحقيقية، حين يتجاوز حدوده المعقولة يسبب ضرراً فادحاً، كما هو شأن الخوف من بعض الامراض مثل (
(1) التخويف الاجتماعي (الخوف المرضي) مشكلة هذا العصر:
أنواع الخوف:
الخوف أنواع ودرجات، وهي حالة تعترض مسيرة المرء في هذه الحياة، وهذه الحالة على أشكال كثيرة منها أمور محسوسة كالخوف من الحيوانات المفترسة مثلا، وهناك مخاوف من أشياء غير محسوسة كالخوف من المجهول أو الخوف من الفشل أو النجاح، أ والخوف من الموت أو من أمر غير محدد ونحو ذلك.
إذن هناك خوف طبيعي كالخوف من الحيوانات المفترسة والزواحف القاتلة، والخوف من عدو، والخوف من الظلام، فمثلا هذا الخوف يعتبر شعور طبيعي لدى الناس، بل لدى جميع الكائنات الحية، وكل إنسان يستجيب لهذا الشعور بطريقة مختلفة، إذن هذه تعتبر مخاوف طبيعية حين يعبر عنها بصورة واقعية، أما موضوع المقال فهو الخوف المرضي وهو خوف لا يتناسب والمثير، كالخوف من الأماكن المرتفعة أو ركوب الطائرة أو المصاعد والسلالم الكهربائية، والخوف من المواقف الاجتماعية المختلفة ؛ في الاجتماعات والاحتفالات والأفراح وفي المدرسة والعمل والأسواق، أو الخوف من مقابلة أفراد مهمين، أو الخوف من التحدث أم الحشود، أو إمامة الناس في الصلاة ونحو ذلك.
عبارة عن خوف غير طبيعي (مرضي) دائم وملازم للمرء من شيء غير مخيف في أصله، وهذا الخوف لا يستند إلى أي أساس واقعي
تعريف التخويف الاجتماعي:
والتخويف عبارة عن خوف غير طبيعي (مرضي) دائم وملازم للمرء من شيء غير مخيف في أصله، وهذا الخوف لا يستند إلى أي أساس واقعي، ولا يمكن السيطرة عليه من قبل الفرد، رغم إدراكه أنه غير منطقي، ومع ذلك فهو يقوده ويتحكم في سلوكه، هو شعور شديد بالخوف من موقف لا يثير الخوف نفسه لدى أكثر الناس، وهذا ما يجعل الفرد يشعر بالوحدة، والخجل من نفسه، ويتهم ذاته بالجبن و ضعف الثقة بالنفس والشخصية، فهو إذن عبارة عن اضطرابات وظيفية أو علة نفسية المنشأ لا يوجد معها اضطراب جوهري في إدراك الفرد للواقع.
مسميات التخويف الاجتماعي:
يطلق عليه في العربية عدة مسميات منها: الفزع، التخويف، الخوف المرضي و الخُواف، المخاوف المرضية، الخوف الاجتماعي المرضي، القلق الاجتماعي المرضي.
انتشار التخويف الاجتماعي:
وهو عََرَض نفسي منتشر بين مختلف فئات المجتمع، ويشير حسان المالح وآخرون إلى كونه اضطراب نفسي واسع الانتشار، تصل نسبة انتشاره بين 7%-14% في المجتمعات الغربية وغيرها، وهو اضطراب مزمن ومعطل، ولكنه قابل للعلاج، ويظهر عند الإناث والذكور بنسبة 2 إلى 1، كما يظهر عادة في سن الطفولة أو المراهقة، وهو يترافق مع اضطرابات القلق الأخرى ومع الاكتئاب، كما يمكن أن يقود لاستعمال الكحول و المواد المخدرة لدى بعض الأشخاص الذين يحاولون – فيما زعموا - معالجة أعراض خوفهم بها.
ويشير فيصل الزراد أن هذا المرض يمثل 20% من مرضى الأعصاب، في حين أشارت جريدة يومية سويدية أن نسبة انتشاره بين الشعب السويدي يتراوح بين 13 - 15 %، أما في الوطن العربي فليس هناك دراسات مسحية شاملة تبين نسبته، ولكن يذكر عبد الله السبيعي أن التخويف الاجتماعي من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً في مجتمعنا بالذات، ويعتقد أنه أكثر انتشاراً فيه من أي مجتمع آخر، مع عدم وجود دراسات إحصائية دقيقة لذلك، ويضيف قائلا: و يبدو التخويف الاجتماعي في الرجال - وبالذات المتعلمين منهم والشباب - بشكل أوضح منه في النساء، ويؤكد ذلك حسان المالح وآخرون: بأن بعض الدراسات في العالم العربي، إضافة للملاحظات العيادية، تشير إلى أن هذا الاضطراب واسع الانتشار في مجتمعاتنا العربية..، وتصل نسبة المصابين به، من مرضى العيادات النفسية إلى حوالي 13 % من عموم المرضى، المراجعين لتلك العيادات، ويؤكد ذلك عبد الإله الضعيفي بقوله: " من أبرز المشكلات الصحية النفسية والاجتماعية في مجتمعنا (السعودي) ومن خلال تجربتنا هو التخويف الاجتماعي والاكتئاب عند النساء والإدمان عند الشباب بأنواعه، وعصاب الوسواس عند الشباب والشابات، ويتفق معي الكثير من المتخصصين في هذا المجال لان المجتمع السعودي له خصوصيات تجعله يهاب طرح مشاكله بشكل علني ومباشر.
أنواع التخويف الاجتماعي:
التخويف ليس نوعا واحدا بل هو متعدد الأنواع، فهناك تخويف المرتفعات، وتخويف الأماكن الواسعة، وتخويف الاختبار، وتخويف الأماكن الضيقة، وتخويف الشرطة، وتخويف الناس والمجتمع، وتخويف المرأة من قبل الرجل، وتخويف الرجل من قبل المرأة وتخويف الوحدة، وتخويف اللون الأحمر حيث (هو رمز للجروح) وغير ذلك.
مظاهر وصور التخويف الاجتماعي:
ومن مظاهره الخوف المستمر الذي قد يرافقه أعراض أخرى، كالصداع وألم الظهر واضطرابات المعدة والإحساس بالعجز، والشعور بالقلق والتوتر، وخفقان القلب، والشعور بالنقص، وتصبب العرق، واحمرار الوجه، والشعور بعدم القدرة على الاستمرار واقفا، وتوقع الشر، وشدة الحذر والحرص، أو التهاون والاستهتار، والاندفاع وسوء التصرف، والإجهاد، والإغماء، وزغللة النظر، والدوار، والارتجاف، والتقيؤ، والاضطراب في الكلام، والبوال أحيانا، والعزلة، والانغماس في الاهتمامات الفردية لا الجماعية، كما أن من ظاهره التصنع بالشجاعة والوساوس والأفعال القصرية، وأحيانا الامتناع عن بعض مظاهر السلوك العادي، وخوف الفرد من الوقوع في الخطأ أمام الآخرين، كما يزداد خوفه كلما ازداد عدد الحاضرين - وليست كثرة الناس شرطا لحدوث التخويف الاجتماعي إذ انه يحدث التخويف للفرد عند مواجهة شخص واحد فقط – وتزداد شدة التخويف، كلما ازدادت أهمية ذلك الشخص، كحواره مع رئيسه في العمل مثلا..، وليس بالضرورة أن تكون كل هذه المظاهر، تصاحب كل حالة تخويف، ولكن تتفاوت بحسب الحالة ودرجة التخويف، وعمر الحالة، وطبيعة البيئة التي يعيش فيها الفرد.
وقد يوجد بعض المصابين بهذا العرض، يتشبث بصحبة شخص معين بالذات، كأمه أو أبيه أو صديقه، والمريض الغني الخائف من الموت يتشبث بوجود طبيب دائما إلى جواره، ومعه العلاج المناسب لكي يقي نفسه خطر الموت كما يتصور.
كما قد يكون التخويف معطلاً للنشاط، فيمتنع المصاب به عن الذهاب إلى العمل أو المدرسة لعدد من الأيام، كما أن كثيرا ممن يعانون من التخويف الاجتماعي ، يقضون وقتاً صعباً في ابتداء الصداقات أو المحافظة عليها.
ويمكن القول - بصورة عامة - أن هذا الاضطراب المزمن، يعطل الفرد وطاقاته، في مجال السلوك الاجتماعي ، فهو يجعله منسحباً منعزلاً خائفاً، لا يشارك الآخرين، ولا يستطيع التعبير عن نفسه، كما يصبح أداءه المهني أو الدراسي أقل من طاقاته وقدراته، إضافة إلى ذلك، فإن المعاناة الشخصية كبيرة، والمصاب به ويتألم من خوفه وقلقه ونقصه، وقد يصاب بالاكتئاب وأنواع من القلق والسلوك الإدماني.. ونحو ذلك.
عرض لنماذج من معاناة البعض من التخويف الاجتماعي:
نعرض فيما يلي بعضا من أسئلة أو تقارير الأخوة والأخوات ممن يعانون بصورة أو بأخرى من مرض التخويف
• أخاف من الظلام والأماكن المغلقة.
• لقد رفضت الترقية عدة مرات في عملي وذلك لأنني سأضطر أن أقود الناس وأوجههم وذلك مالا أستطيعه.
• لا أستطيع أن أمشي خارج البيت في الليل.
• لدي طفل في العاشرة من عمره اكتسب نوعا من الخوف الرهيب من المدرسة، لأن المشرفات على التنظيف يُخِفْن الأطفال بوجود الجن في المراحيض، كي تبقى تلك المراحيض نظيفة، ونتج عن ذلك خوف لديه حتى من التنقل بين غرف المنزل.
• أحس حينما أكون محط أنظار الآخرين وكأنني أقف على إسفنج.
• إن وقوفي في طابور المحاسب في الأسواق العامة، سبب لي كثيرا من المتاعب، وكلما اقتربت من نهاية الطابور، كلما ازدَدْتُ رعشة وتعرقا، وفي النهاية قررت عدم الذهاب للأسواق.
• أحس حينما أتحدث أمام الآخرين، أنني سأخلط الكلام ببعضه.
• ما هي أسباب الخوف من ركوب الطائرة وكيف يمكن التغلب عليه ؟
• أتمنى أن تبتلعني الأرض، و لا أضطر للحديث أمام الجمع من الناس، ولو كان عددهم لا يتجاوز عشرة أفراد.
• لا أستطيع التجوال في الأسواق، حيث كثرة الناس.
• أنا شاب أبلغ من العمر 29 عامًا، عندي حالة رعشة في أصابع اليدين، وهذه الحالة تزداد في حالة الغضب والتوتر، فتمتد إلى أجزاء أخرى من الجسم.
• لا أستطيع أن أمر بالأزقة الضيقة
• أنا رجل أخاف من التجمعات الاجتماعية كحفلات الزواج وغيرها، وأخاف حتى من أداء بعض الأمور اليومية، كمراجعة الدوائر الحكومية.
• لا أستطيع أن أصلي في الصفوف الأولى، حيث أصلي بجانب الباب أو نافذة مفتوحة.
• أحس أن وجهي تتغير معالمه حينما ينظر إلي الآخرون.
• لاحظت أنني لا أستطيع في الآونة الأخيرة، إمامة الناس حينما تفوتني الصلاة مع الجماعة الأولى.
• يوجد لدي خوف شديد، وتسارع في ضربات القلب، فما هو العلاج ؟
• أنا طالبة في الصف العاشر، أعاني من مشكلة هي رعشة الجسم دائماً، فمثلاً عندما أقرأ في الصف فقرة صغيرة، أو عندما أقف في الطابور أمام المعلمات، أو حتى عندما أدعو زميلاتي إلى المنزل تنتابني تلك الرعشة.
• لا أستطيع أن أذهب كضيف عند الأصدقاء، لأنني أخشى غلق الأبواب.
• أنا طالب جامعي، وعمري 21 سنة، عندي مشكلة، وهي أنني دائما (مرتبك وخائف)، وأن حركاتي سريعة، وكأنني (خبل).
• أعاني من مشكلة لا اعرف ما هي بالضبط، وهي عندما أريد إن أتكلم بين مجموعة من الناس، اشعر بخوف شديد وأيضا رعشة.
• لا أدري لماذا دائما، أحس بالضعف في مواجهة الآخرين.
• التخويف الاجتماعي مرض يكتسب، كيف يمكنني أن أربي ابني بشكل صحيح، فلا يعاني من أية مخاوف حين يكبر؟
• لا أستطيع ركوب الطائرة.
• لا ادري لماذا لا يمكنني الحديث، وينتابني الخوف من الخطأ، وأحس أنني سأتلعثم في الكلام، حينما يسألني الأستاذ في الفصل، رغم أنني اعرف الإجابة، بل احفظها عن ظهر قلب.
• إن شبح مواجهة الناس، هو الكابوس المفزع الذي يقلقني.
• أنا فتاة في أوائل العشرينيات، أشعر بخجل كبير، حين أشعر أن من حولي يركزون معي فيما أفعل.
• كيف أتغلب عن التخويف، فدائما أشعر بارتباك شديد، عندما أقدم على التحدث، أو التواجد بين العديد من الأشخاص ؟
• أنا شاب أعمل في مجال يقتضي مني التكلم بطلاقة، لكني عندما أقوم بعمل تقديم أو عرض، أشعر بدقات قلبي ترتفع، ونبضي يزداد، وأحيانا أعرق، وأكون في غاية الحرج.
• أعاني من حالة رعب شديد وخوف، عند القيادة في الطرق السريعة، تجعلني لا أتجاوز سرعة 60 كيلو، والخوف كذلك حين تخطي أية سيارة، خاصة الأتوبيس والنقل، على تلك الطرق السريعة.
• أعاني من نوبات خوف وهلع شديد، مع ضيق في التنفس و شعور بالموت.
هذه بعض من المعاناة التي يعانيها من ابتلي بهذا المرَض، وقد أطللت بعرض مثل هذه الشكاوى لغرض علاجي نفسي، وهو ألا يشعر باليأس أو القنوط من يعاني من أعراض التخويف، وأن هناك من يعايش ما يحسه من آلام، وأن كثيرين قد تم شفاؤهم بإذن الله تعالى.
أسباب التخويف الاجتماعي:
ليس هناك سبب محدد بعينه، ولكن وجود استعداد في الشخصية، مع أساليب تنشئة وتربية خاطئة، قد تقود لمثل هذا المرَض، وقد يكون الشعور بالذنب – كما يشير بعض الباحثين – ينعكس على شكل خوف أو فزع في الأفعال أو الأعمال من بعض الأمراض، أو خوف العواصف والرعود والحروب والزلازل، وقد يكون بسبب فعل منعكس عزز منذ الطفولة فعمم الفرد تلك الخبرة على مواقف مشابهة أو غير مشابهة لذلك الموقف السابق.
وهذا الاضطراب يظهر مبكراً، في سن الطفولة، أو بداية المراهقة، حيث وجدت دراسات مختلفة، أن هناك مرحلتين يكثر فيهما ظهور هذا الاضطراب: مرحلة ما قبل المدرسة على شكل خوف من الغرباء، و المرحلة الأخرى مابين سن 12-17 سنة على شكل مخاوف من النقد و التقويم الاجتماعي والسخرية، وهو مما يتصف به المراهق عادة.
و بالرغم من أن الإصابة بالتخويف الاجتماعي ، تحدث في هذه المراحل المبكرة، إلا أنه يعتبر أيضاً من الاضطرابات النفسية المزمنة، والتي قد تستمر عشرات السنين إذا لم تعالج، خاصة أن بعض المصابين بالتخويف الاجتماعي- حتى مع علمهم بهذه الحالة - قد يتأخرون في طلب المساعدة والعلاج سنين عديدة، إما بسبب خجلهم من الحالة نفسها، أو خوفاً من مواجهتها و الاعتراف بوجودها.
ولعل سبب كثرة انتشاره، في مجتمعنا العربي عامة يرجع إلى أساليب التنشئة الأسرية والتعليمية الخاطئة في مراحل الطفولة، حيث يعمد الأب إلى طرد ابنه من المجلس بحجة أنه مازال صغيرا، ولا ينبغي له الجلوس مع الكبار فهذا عيب، كما ينهره حين التحدث أمام الكبار، فهذا من قلة الأدب، كما أن الرجل لا يصطحب معه طفله، في المناسبات الأسرية والاجتماعية، لأن هذا عيب، إذ كيف يحضر أطفاله مع الضيوف والكبار إنه عيب اجتماعي كبير، ومنها زجر الطفل بكلام قاس وشديد وبصوت مرتفع حينما يخطئ ولو بشي تافه ... الخ، وما يقال عن الأب، يقال عن الأم مع بناتها وأطفالها، إلا أن هذه الأساليب الخاطئة، بدأت تختفي تدريجيا لكنها لا تزال بصورة أو بأخرى موجودة في الأرياف.
كذلك من أسبابها ما يحصل في المواقف التربوية المدرسية، حين يعمد المعلم أو المعلمة، إلى تعنيف الطالب أو الطالبة، حين يتطوع للإجابة ويخطئ أو تخطئ الإجابة، بل وجعل زملائه وزميلاتها أحيانا يسخرون منه أو منها ببعض الحركات التهكمية، وبالتالي يحجم أو تحجم عن المشاركة في المناقشة فيما بعد، حيث نعاني من قلة المشاركة، من قبل طلبة وطالبات الكلية، ولعل هذا من الأسباب.
ومنها أسلوب المعاملة، والذي يغلب عليه التحقير والإهانة، حين يقدم الابن أو البنت، في المبادأة في عمل أو إنجاز، أو طرح فكرة مشروع أو رأي، ونحو ذلك فيقابل بهذا الأسلوب من قبل الكبار، سواءً كانوا آباء أو أمهات أو معلمين ومعلمات .
ومنها أساليب التحذير المبالغ فيها، للبنين والبنات، من أمور شتى، ومنها استخدام الأساطير ( السباحين والحدوتات )، المشتملة على مواقف مرعبة ومخيفة، ومنها استخدام الرموز الافتراضية، لأجل كف أو منع أو تهديد الأطفال من بعض المواقف، مستخدمين في ذلك مثل هذه الرموز ( الحرامي، العفريت، الجني... الخ ).
ومنها ظروف البيئة المنزلية، وما يكتنفها من مشاجرات، وخصام وسباب وشتيمة، بين أفراد الأسرة، ويزداد الأمر سوءا، حين يكون بين الأبوين وأمام الأطفال، فيخرج الطفل من هذه البيئة، وهو يشعر بتصور عن العالم من حوله، أنه ملئ بالمشكلات والتهديد، فينعكس على شخصيته المتوجسة للخوف، والتي تعيش هاجسه، في بيئة فقدت الأمن، وبالتالي كَثُر الهم والحزن، ولذا نجد أن الله جل وعلا، نفى عن عباده الصالحين، كلا النوعين في يوم القيامة، في أكثر من خمسة عشر موضعا، قال تعالى: { فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة 38.
وترجع مدرسة التحليل النفسي للتخويف ، باعتباره تعبير عن حيلة دفاعية لا شعورية، حيث يحاول المريض عن طريق هذا المرَض، عزل القلق الناشئ من فكرة أو موضوع أو موقف مرَّ به في حياته، وتحويله إلى موضوع رمزي، ليس له علاقة بالسبب الأصلي، والذي غالبا يجهله المريض، فالتخويف إذن عبارة عن عملية دفاع، لحماية المريض من رغبة لا شعورية عدوانية أو مستهجنة في الغالب.
الأساليب العلاجية والوقائية:
تتنوع أساليب العلاج وتعدد، وهذا يتوقف على نوع التخويف وطبيعته ودرجته، فهناك العلاج السلوكي، ويقوم هذا النوع على إطفاء الشعور بالخوف عن طريق الممارسة السلبية أو الإغراق أو الكف المشترك، ويمكن المعالجة بالتعريض التدريجي للموقف المثير بحيث تتكون لديه ثقة في الشيء الذي يخاف منه، وذلك بأن يُجعل المريض في حالة تقبل واسترخاء ثم يقدم الشيء المثير تدريجيا مع الإيحاء والتعزيز، ومع المثابرة والتكرار يتعلم المريض الاطمئنان للشيء الذي كان يخافه، وهناك طريقة التخدير ثم التدرج في غرس عادة جديدة، ومن الأساليب أسلوب الإغراق أو الطوفان، حيث يقوم هذا الأسلوب، على مواجهة المريض، بأكثر المواضيع إثارة، حتى ينكسر الوهم، بالمواجهة لا بالتدريج، لكن لهذا الأسلوب – بحسب نوع وطبيعة الحالة – بعض الآثار السلبية.
ومن الأساليب التوجيه الإيحائي، بصورة فعالة وإيجابية، مما يؤدي إلى نتائج أفضل من العلاج السلبي العادي، ومن الأساليب العلاج الدوائي، ودور العقاقير هنا، هو إزالة أو تخفيف الفزع قبل حدوثه، ويستخدم مع بعض الحالات، قبل تطبيق العلاج السلوكي، وإلا فلا يوجد عقار، يقطع حالة الخوف، كما هو تأثير العلاج في الأمور العضوية.
وهناك وسائل وقائية، مثل منع مثيرات الخوف والحيلولة دون تكوين خوف شرطي أو استجابة شرطية، ومن ذلك عدم إظهار القلق على الأولاد، حين تعرضهم لموقف مثير للخوف مع العمل بكل هدوء – ما أمكن ذلك – لشرح طبيعة ذلك الموقف، ومن ذلك أيضا التقليل من المبالغة في النقد والتحقير والاستهزاء، وكذلك عدم إظهار خوف الكبار أمام أطفالهم لئلا ينتقل لهم هذا الخوف عن طريق التقمص والتقليد، ومنها تعويد الطفل على النظر للجوانب الإيجابية وعدم التركيز على الأخطاء فقط، ومنها تدريب الطفل منذ الصغر على مواجهة المشكلات ومحاولة حلها ومساعدته في ذلك بالتوجيه والتسديد.
تلك أبرز الجوانب المتعلقة في هذا العرض النفسي واسع الانتشار، والتي آمل أن أكون قدمت للقارئ والقارئة ما يجيب على كثير من تساؤلاتهم واستفساراتهم حول هذا المرض، مما يساعدهم على تخطي هذا الأمر، والعمل الوقائي لئلا يتكرر مع أطفالهم، سائلا الله أن يديم على الجميع الصحة والعافية والتسديد في القول والعمل .
حلول للاستشارات النفسية والسلوكية
ما هو الفرق بين الخوف و القلق المرضى؟
الإحساس بالقلق والخوف هو رد فعل طبيعي وذو فائدة في المواقف التي تواجه الإنسان بتحديات جديدة. فحين يواجه الإنسان بمواقف معينة مثل المقابلة الأولى للخطوبة أو الزواج، أو المقابلة الشخصية الهامة للحصول على عمل، أو يوم الامتحان، فانه من الطبيعي أن يحس الإنسان بمشاعر عدم الارتياح والتوجس، وأن تعرق راحتا يداه، ويحس بآلام في فم المعدة. وتخدم ردود الفعل هذه هدفًا هامًا حيث أنها تنبهنا للاستعداد لمعالجة الموقف المتوقع.
ولكن أعراض القلق المرضي تختلف اختلافًا كبيرًا عن أحاسيس القلق الطبيعية المرتبطة بموقف معين. فأمراض القلق هي أمراض يختص الطب بعلاجها ولهذا الاعتبار فإنها ليست طبيعية أو مفيدة.
وتشمل أعراض مرض القلق الأحاسيس النفسية المسيطرة التي لا يمكن التخلص منها مثل نوبات الرعب والخوف والتوجس والأفكار الوسواسية التي لا يمكن التحكم فيها والذكريات المؤلمة التي تفرض نفسها على الإنسان والكوابيس، كذلك تشمل الأعراض الطبية الجسمانية مثل زيادة ضربات القلب و الإحساس بالتنميل والشد العضلي.
و بعض الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلق التي لم يتم تشخيصها يذهبون إلى أقسام الطوارئ بالمستشفيات وهم يعتقدون أنهم يعانون من أزمة قلبية أو من مرض طبي خطير.
وهناك العديد من الأشياء التي تميز بين أمراض القلق وبين الأحاسيس العادية للقلق،حيث تحدث أعراض أمراض القلق عادة بدون سبب ظاهر، وتستمر هذه الأعراض لفترة طويلة. ولا يخدم القلق أو الذعر المستمر الذي يحس به الأفراد المصابين بهذا المرض أي هدف مفيد، وذلك لأن هذه المشاعر في هذه الحالة عادة لا تتعلق بمواقف الحياة الحقيقية أو المتوقعة. وبدلاً من أن تعمل هذه المشاعر على دفع الشخص إلى التحرك والعمل المفيد،فانه يكون لها تأثيرات مدمرة حيث تدمر العلاقات الاجتماعية مع الأصدقاء وأفراد العائلة والزملاء في العمل فتقلل من إنتاجية العامل في عمله وتجعل تجربة الحياة اليومية مرعبة بالنسبة للمريض منذ البداية. وإذا تُرك المرض بغير علاج، فيمكن حينئذ أن يحد عرض القلق المرضي من حركة الإنسان بشكل كامل أو أن يدفعه إلى اتخاذ تدابير متطرفة مثل أن يرفض المريض أن يترك بيته أو تجنبه المواقف التي قد تؤدي إلى زيادة قلقه.
(2) الخوف.. سيجعلك تسلك حياة فاشلة :
غالبا ما يكون الخوف هو المسؤول عن إبقائنا في الظل، فهو يوسوس لنا أننا لن نستطيع تحقيق أحلامنا، يخبرنا أن نبقى صامتين، ويكبح جماح رغباتنا في التعبير عن أنفسنا بحرية و دون خجل.
للخوف قوه غير محدودة في جعلنا نتجمد في أماكننا ويحدد فرص نجاحنا في ما نحاول أن ننجز.. الخوف باختصار يجعلنا نسلك حياة صغيرة ولا تمت بصلة لما نحلم به.
قد تكون الأشياء التي نخاف منها مختلفة، لكن ردة أفعالنا تجاه الخوف عادة ما تكون متشابهة عند جميع البشر. فعند الخوف تتعرق اليدين، ويجف الحلق، ونكون على استعداد لعمل أي شئ أو تقديم أي تضحية لمجرد الهرب. حاول التفكير كم مرة أهدرت فرصة أو تجنبت علاقة لمجرد انك كنت تخاف من الاستمرار أو المغامرة.
الخوف ليس أمرا سيئا. فهو موجود لحمايتنا كنوع من الإنذار المبكر. لكن هناك فرق كبير بين الخوف الصحي الذي يخبرك بالتراجع قبل السقوط من فوق مرتفع حاد و بين الخوف الذي يسيطر على حياتك بحيث يمنعك من العيش و الانطلاق.
ينصح العلماء في حالة إصابة الإنسان بالخوف الذي يسيطر على حياتهم بأن يحاولوا أن يتخلصوا منه أو على الأقل محاولة السيطرة عليه، ويقترح العلماء الحلول التالية للتخفيف من وطأة الخوف:
* الاتصال مع الآخرين:
مهما كانت المخاوف كبيرة أو صغيرة، تكون مواجهه الخوف اصعب إذا ما قررت مواجهتها لوحدك. حاولي إيجاد صديقة أو أي شخص ترتاحين إلية لتبثي له مخاوفك. قد يساعدك هؤلاء الأشخاص في تبديد هذه المخاوف أو قد يشجعونك على التغلب عليها.
تعلم الاسترخاء:
إذا ترك الخوف لينمو و يكبر فأنة سوف يؤدي إلى الكثير من المشاكل النفسية. إذا كان خوفك يسبب لك أمراضا بدنية حاولي استخدام أساليب الاسترخاء لكي تكوني مستعدة بدنيا لمواجهه مخاوفك.
واجهه مخاوفك:
المقصود هو التعود على المواجهة وليس على تعريض نفسك للأذى. بمعنى واجهي مخاوفك بأن تتحدي قدراتك ولكن بالقدر الذي يسمح لك بالتعلم و ليس أن يزيد الخوف عندك. إذا كان الخوف من شيء نفسي كالتحدث أمام الجمهور مثلا فحاولي أولا التحدث أمام عائلتك ثم جمع من الأصدقاء و من ثم زملاء العمل وهكذا تبدئين في التغلب على المشكلة حتى يزول خوفك كليا.
وعلى صعيد آخر، فالكاتب الإسكتلندي روبن سيغر صاحب كتاب جعله أهم محرّض على مواجهة الخوف وإسكات الأصوات الداخلية التي تحطم الإنسان وتمنعه من التقدم وتفجير طاقاته.. ولا يمل القول للجميع "إن الإنسان عقّد حياته بسماحه للأفكار السلبية بالسيطرة على عقله" .
وقال الكاتب، "إننا في حين قد نعجز عن صنع الأفكار السلبية من التسلل إلى عقولنا، فان الخيار يعود إلينا في إعطائها السلطة أو تغييرها بكل بساطة".
يرى سيغر، أن الأشخاص يشعرون بالأمان مع الأفكار السلبية أو كل ما يؤجل انطلاقتهم نحو المجهول، نحو المغامرة، ونحو تحويل الحلم واقعاً. كما انهم غالباً ما يتذكرون الحوادث الأليمة وآراء الآخرين السلبية فيهم، والنتيجة أن العقل المحاط بالسلبيات، يعمل منطلقاً من الركيزة الحاضرة فيه.
الذين يتمكنون من تخطي الصعاب والخيبات والفشل المتكرر، غالباً ما يعملون على البحث عن سبل لفهم الحياة. وسيغر من الأشخاص الذين فهموا بعد سلسلة من الحوادث انه لا بد من أن يمسك الإنسان بزمام المبادرة في ما يتصل بقراراته وتغيير مسار حياته.
في المرحلة الأولى يجب تغيير مفهوم العقل و إسكات الأصوات الداخلية المدمرة التي تتوقع الفشل. وفي المرحلة الثانية يجب تحويل الأفكار واقعاً. الخطوات الواقعية تدعم الأفكار الإيجابية، "فإذا كنا سنشارك في الماراتون، لا يكفي أن نطبع الأفكار المشجعة في عقولنا، بل لا بد من أن نموت يومياً لتنمو قوتنا الجسدية".
(4) علاقة السلطة بالخوف :
للاسف كثيراً ما يتم الربط بين السلطة والخوف. لذا كثيراً ما يكون رمز السلطة شخص نهابه كرجل الشرطة بالنسبة لقانون الدولة والاستاذ بالنسبة لنظام المدرسة والأب بالنسبة لقواعد المنزل.... ألخ
الاحترام يبدأ من الاهل تجاه الاطفال الذين يبادلون اهلهم الاسلوب نفسه. فالأهل هم القدوة لابنائهم. عندما يزداد الخوف من الاهل يقل الاحترام لهم، ولا ينمو الطفل بشكل سليم. ولكي ينشأ طفلنا ديموقراطياً في افكاره وتصرفاته علينا ان نتعامل معه بديمقراطية.
90 % من الاطفال يتمردون على ذويهم وهذا امر طبيعي فالتمرد عامل من عوامل النمو وبناء الشخصية. لذا على الاهل تقبل هذا التمرد واعطاء ابنائهم حرية الرأي والتعبير واتخاذ القرارات ما دامت هذه الخيارات لا تهدد مستقبلهم.
الطفل بحاجة الى سلطة ترسم له حدوداً والا كانت تصرفاته اعتباطية،انفعالية ومتهورة، لذا فالطفل بحاجة الى قواعد توضح له الفرق بين المسموح والممنوع ليشعر بالأطمئنان.
فالمدرسة النموذجية تلتزم بمواد حقوق الانسان وتطبقها من خلال فلسفتها التربوية.
حين يعتاد الطفل على روتين معين من النظام منذ الطفولة يسهل على الاهل حسم الامور معه. اما اتخاذ القرارات فيجب ان تسلم تدريجياً الى الطفل لانه في سن معين لا يدرك عواقب افعاله لذا ياخذ الاهل الكثير من القرارات عنه ريثما يدرك مصلحته.
يجب ان يتفهم الاهل ان خيارات اولادهم واذواقهم ليست دوماً مطابقة لهم، فمن الضروري احترام رغبات الطفل ومساعدته على بناء شخصية متوازنة.
ممارسة السلطة لا تكون بالعنف اللفظي او الجسدي بل بالحوار. والسلطة الافضل تكون السلطة الحازمة والمستمرة اي التي لا تتبدل وفق الظروف او مذاج الاهل، والا تحول مفهوم السلطة لدى الطفل الى مفهوم الديكتاتورية.
احترام سلطة الاهل يدفع الطفل الى احترام سلطة ونظام المدرسة فيما بعد، من ثم الجامعة، فنظام العمل والدولة.... ألخ
(5) ثقافة الخوف :
يعرّف الخوف على المستوى الكينوني (الأونتولوجي) بأنه نزعة غريزية قطيعية هي استجابة طبيعية للنزعة الحيوانية للسيطرة. إذن يوجد الخوف طبيعياً حيث توجد ارادة السيطرة طبيعياً، وهو شبه ثمرة علاقة الاقوى بالاضعف، في عالم الغابه، وليس استمرار هاتين النزعتين الحيوانيتين إلا نتاج ما ترسب في اللاوعي الجمعي للبشر قبل ان ينفصلوا عن الطبيعة ويتحسسوا ذاتهم ككائنات انسانية، الامر الذي من شأنه ان يفضي بنا الى الاستنباط القائل بالاضمحلال التدرجي لارادة السيطرة ورغبة الخضوع كلما تمكن الانسان من السيطرة على الطبيعة، وعمّق منجزاته المدنية والحضارية.
وعلى المستوى الفردي (العاطفي والشعوري) فإنه بمقدار ما تزداد مساحة الخوف في الداخل الانساني، بمقدار ما تضيق مساحة الشعور بالحب والشجاعة والاحساس بالكرامة والتوادد والرحمة، حيث يلعب الموت دوراً محورياً، اذ يتم من خلاله - حسب هوبز - الفرار من التساوي امامه الى تمايز يؤمن البطولة والشهادة والخلود، وهنا يتدخل الشأن الالهي، لتأسيس قانونيته القائمة على الامر والطاعة.
اما على المستوى ( الاجتماعي - السياسي)، فتحدد ثقافة الخوف وفق معيار درجة ديموقراطية الحياة الاجتماعية والسياسية او الهيمنة الشمولية الطغيانية.
يقارن ياسين الحافظ برهافة مشوقة بين بنيتي المجتمعين، الغربي المدني الديموقراطي، والشرقي الاستبدادي الطغياني ، يقول في سيرته الذاتية: "في الغرب، كنت أذهل عندما ارى قوة الفرد وجرأته وثقته بنفسه او تحرره الكلي من مختلف اشكال الخوف هناك الفرد ديك، هنا الفرد دودة. هناك حبل سرة الانسان موصول بالالوهة، وهنا حبله مقطوع بتاتاً، بما هو عبد، هناك العنفوان، وهنا الوداعة، هناك بروميثيوثية طاغية، وهنا القناعة وراحة البال، هناك الشك والتساؤل والنقد، وهنا اليقين والتلقين والامتثال"، وعندما يتساءل عن العوامل والاسباب التي أدت الى هذه القوة للفرد الغربي، يجدها في حقيقة "ان بلاده كفت عن ان تكون بلاد الخوف". بينما الفرد في ديارنا العربية، منذ سنواته الاولى وربما منذ شهوره الاولى، تتعاوره اشكال لا تحصى الخوف من العائلة، من المعتقد الايماني، من التقليد، من المجتمع، من المدرسة، وأخيراً من السلطة الاستبدادية الشرقية
هكذا تتحد ثقافة الخوف، بمثابتها نتاجاً مكثفاً مزدوجاً للطغيان و طغيان السلطة الاستبدادية وطغيان ثقافة الغالبية و عندها يدخل المجتمع والسلطة معا نفق الرعب، القوة، البطش. وكلما ازداد البطش استفحالا ازدادت النفوس خواء وفقرا.
فقيرة تلك النفوس، التي تنظر الى داخلها فلا تجد إلا الخواء، فتملؤها بالبطش والعنف، هكذا يتأمل افلاطون احوال زمانه وحكامه. عندما تنعدم الحرية، يسود الظلام ويكثر الوشاة، وتحاك الدسائس والمؤامرات، ويسود الشك والحذر والريبة، حتى يطاول الحاكم المدجج بكل صنوف القوة، الذي يعيش اسير قوته، بعد ان يفقد الثقة بالجميع ممن يحيطون به، ولهذا يجعلهم جميعاً عيوناً ليس على الناس فحسب، بل وعلى بعضهم بعضاً. واذا تطلب الامر فانه لا يتردد بسبب شكه ان يبطش بأقرب المقربين له، وعلى هذا يخلص افلاطون، الى ان قوة الحاكم ليست إلا نتاج ضعفه، وهو اذ يتوهم السيادة فانه في حقيقة أمره "عبد". انه عبد لشهواته، وميوله الحيوانية العدوانية للسيطرة، وعبد هواجسه التي تجعله يقضي حياته خوفاً على اوهام رفعته التي كانت قد شوهتها السلطة، فجعلته أشد الناس حسداً وغدراً وظلماً، وأتعس الناس قاطبة، فهو بلا اصدقاء، لأن كل من يحيط به محكوم بالرغبة او الرهبة، والتزلف والتملق، الذي يبلغ حد اضفاء الالقاب الالهية، والصفات النبوية على ذاته البشرية، حتى ان الوليد بن عبد الملك استفسر ذات يوم في عجب "أيمكن للخليفة ان يحاسب" طبعاً ان سؤاله هنا لا يتوجه الى حقوق الرعية بمحاسبة حاكمها، بل الى حقوق الله ذاته.
يحدثنا السيوطي عن يزيد بن عبد الملك انه " أتى بأربعين شيخا فشهدوا له، ما على الخلفاء حساب ولا عذاب" وكان قد سبقه ابوه عبد الملك بن مروان في خطبته الدستورية عندما صعد المنبر ليقول: "والله لا يأمرني احد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه، ثم نزل".
وفق هذه الفلسفة التراثية التي تميز خصوصية الذاتية الحضارية للدستور السياسي العربي التي يُنظّر لها فلاسفة الاصالة المحدثنة، فان ديار العروبة تبدو اليوم هي الاكثر تمثلاً لهذا الجانب التراثي التليد، حيث غياب دولة الحق والقانون، وشخصنة السلطة، هي السمة المميزة للنظام العربي القائم، فكيف - والامر كذلك - لا تكون ثقافة الخوف، هي الثقافة الجامعة، والموحدة للحاكم والمحكوم، حيث الخوف يعشعش في صدور الحاكمين والمحكومين على السواء. المجتمع يخاف السلطة، والسلطة تخاف المجتمع، وكلهم في فلك الرعب يسبحون.
ما هي عناصر البنية الداخلية لثقافة الخوف:
يحدد جورج أورويل في روايته (1984) عناصر بنية ثقافة الخوف، بأنها البنية المؤسسة على التفكير المزدوج. فما هي هذه العناصر؟
انها: ان تعرف وان لا تعرف، ان تعي حقيقة صادقة كل الصدق وترى بدلا منها كذبات موضوعة بعناية، وان يكون لديك في اللحظة نفسها وجهتا نظر متباينتان وانت تعتقد، وتؤمن، بهما كليهما. وان تستخدم المنطق ضد المنطق، وان تنكر الفناء بينما تدعيه، وان تعتقد بأن الديموقراطية غير ممكنة وفي الوقت نفسه تنادي بأن الحزب الحاكم هو بيت? للديموقراطية، وان تنسى ما تدعو الضرورة ان تنساه ثم تستعيده الى الذاكرة في اللحظة التي تحتاج فيها اليه ثم تعود فتنساه مرة ثانية. والانكى من ذلك كله، ان تطبق الطريقة نفسها في حالة الايجاب والسلب. (الرواية ص174).
الخوف لا يقتل الأنا الاخلاقية في الفرد فحسب بل يقتل الأنا القانونية في داخله، عندما يكون جوهر العلاقات الحاكمة للنظام المستبد هو الاعتباطية المقيدة على حد تعبير حنة أرندت ، فان كل شيء يغدو ممكنا في ظل دولة جوهر نظامها الاستبدادي غياب القوانين، ولأنها اعتباطية غير منسرحة تتيح بعض الحرية ولو كانت فوضوية، فإن في دولة غياب القوانين ليس كل شيء ممكنا فحسب بل أيضاً يغدو كل شيء مستحيلا، وعلاقة الممكن بالمستحيل تحددها درجة القرب او البعد من مركز القمع. الخوف، فاذا كنت قادراً على التخويف فكل شيء ممكن، وان كنت في دائرة المفعولية فكل شيء مستحيل، حتى تصل درجة المفعولية الى درجة التعدي الى مفعول له ثان?، أو مفعول مطلق! والمستقبل يغدو قنبلة موقوتة، لكنها تطلق دقاتها في كل لحظة حسب ستيفن سبندر، هكذا تتسع فضاءات خصوبة اللامتوقع.
(6) صناعة البيئة الثقافية للخوف :
ما هي ثقافة الخوف، وكيف غدت موضوع بحث من لدن طيف واسع من علماء الانثروبولوجيا والسيسيولوجيا والسياسة؟ باختصار، إننا نقع في خضم ظاهرة ملتهبة ترتطم بمجمل حركتنا وانشغالاتنا الذهنية والنفسية. ولا يمكن أن نفسّر هذه الظاهرة مالم نعتقد جزماً بوجودها، ولكي نمتلك فكرة عامة عنها لابد من تعريف مكوّناتها.
إن أول سؤال يداهمنا هو كيف يتحول الخوف الى ثقافة؟
الثقافة، بحسب تعريف ادوار برينت تيلور عام 1871 في كتابه (الثقافة البدائية)، هي "مجموعة معقّدة تشمل المفاهيم والمعارف والمعتقدات والفنون والقوانين والاخلاق والاعراف وجميع القدرات الاخرى والعادات التي يكتسبها الانسان بوصفه عضواً في المجتمع". فالثقافة بحسب فرويد ذات طبيعة شمولية، وأنها تنصب في الانسان بكامله. وعليه فليس هناك ثقافة فردية يمكن إنتاجها خارج فضاء المجتمع، فالانسان هو "حيوان اجتماعي" بحسب ارسطو.
أما الخوف فهو أداة يستشعر الفرد عبرها بالمعاناة في القلب، ويستدمجها في نفسه، ويستوعبها. إنه قناة الطاقة التي تأخذ المعاناة عبرها طريقها الى القلب البشري. يبقى، أن تأثيرها لايشبه السهم ولكنها متراكمة في الخاصيّة، فهي لا تتم لمرة أو دفعة واحدة ولكنها تتكشف بصورة ثابتة، كما يذهب الى ذلك ثيودور أدورنو.
ثقافة الخوف، مصطلح مقترح في العديد من الطروحات السيسيولوجية التي تجادل بأن مشاعر الخوف والقلق تهيمن في الخطاب والعلاقات العامة المعاصرة، وتتغير بحسب علاقة أحدهما بالآخر كأفراد وكهيئات ديمقراطية. وبالرغم من أن كل هذه الطروحات قد تقدّم حسابات مختلتفة لمصادر وتداعيات الاتجاه الذي يرمون التوسل به لوصف هذه الحالة، فإن جميع هذه الطروحات تتقاسم المطلب الجوهري وهو أن ثقافة الخوف هي الى حد ما ظاهرة جديدة بدلالات شديدة الاهمية والخطورة.
لقد أصبح الخوف كحالة عاطفية وأونتولوجية غريزية رفيقاً حاضراً بسطوة في حياتنا اليومية.
لقد باتت الكرة الارضية كوكب الخوف الملتهب بظواهر مثيرة للفزع، بعد أن أخذت أشكالاً إجتماعية وسياسية معقدة تتمظهر في مجتمع المخدرات ومجتمع المباحث والمخابرات ومجتمع لوردات الحرب و باعة أسلحة الدمار الشامل.
يحدد هيدغر السمة الخاصة للخوف في "تحديد ما يخاف أمامه وما يخاف من أجله" الإنسان الخائف والقلق يجد نفسه (مكبّلاً) بما يشعر بنفسه فيه وفي مسماه لينقذ نفسه أمام هذا ـ أمام (هذا) الشيء المتعين، لا يشعر بالأمان أمام ماهو (آخر) أي إجمالاً يفقد صوابه.
هذا التصور للخوف، وهو موضوع دراسات علمية، نجده أحياناً مبهماً في منشأه وأصل وجوده، فليست مصادر الخوف واقعية أحياناً، وبحسب باري جلاسنر في (ثقافة الخوف) " إننا نخاف من أشياء هي في الغالب غير ضارة، ولكن خطورة الخوف تكمن في ما ينتجه من تصورات متشائمة تمسك بخناق مواقفنا، بما تجعلنا في حالة عجز تام عن حل مشكلاتنا ".
خصائص ثقافة الخوف
1ـ أنها ذات صفة جماعية، لا يقصد بها فرد ولا جماعة دون غيرها، بل هي الثقافة المتفشية في كل قلب ينبض وكل ذي روح. فثقافة الخوف أخذت معنى جماعياً ولم تعد ذات طابع إفرادي كما كانت النظرة الى مفهوم الثقافة حتى نهاية القرن الثامن عشر.
لم يعد الخوف مجرد إحساس فردي مستقل يضطر غريزياً لمواجهة أخطار مباشرة تتربص بالوجود البيولوجي للفرد، بل بات مندكاً في نسيج الوعي الجماعي للبشر، وتتجلى تمظهراته في أنماط العلاقة السائدة ولغة التخاطب اليومية ومنهجية التعامل بين مكوّنات المجتمع. فهنا تضمحل كينونة الفرد لتنصهر في الكيان المجتمعي الكبير الذي يقع تحت وطأة ماكينة ثقافة الخوف بطريقة جبروتية. يتعرض الافراد، خلال عمل الماكينة، لمسخ شامل للهوية والتفكير، والمشاعر و القيم الانسانية ليكون الخوف وحده قبطان السفينة، والموت حارساً عليها، والمجتمع مجرد كتلة بشرية مخطوفة على متنها.
فالفرد يعاد صياغته من خلال دمجه في المجتمع الخاضع تحت تأثير إشعاعات ثقافة الخوف، فلا يعود فرداً سوّياً مستقلاً بل هو جزء من مسخ جماعي، يكتسب خصائص المجتمع الممسوخ، يفكر كل فرد فيه كما يلبس وينطق ويهجس بطريقة واحدة، إنها أوركسترا الخوف التي تعزف لحناً موحداً لخدمة القائد الملهم.
في السياسة، يتولّد تواطىء عفوي بين المجتمع والسلطة السياسية على ممليات ثقافة الخوف، والتي تؤول مفضياتها الى تركين أسس الاستبداد بكافة أشكاله المفزعة. ثقافة تتفشى في البيت والشارع ورياض الاطفال والمدارس والجامعات والجوامع و المؤسسات التجارية والاعلامية والأندية و شبكات النخب الفكرية والصفوة الاجتماعية وصولاً الى القيادة السياسية. فمطلوب من الجميع أن يمتثل لعبادة الخوف على طريقته طالما أن العبادة ستكون خالصة لوجه السلطان ، تحقيقاً لمقولة " الناس على دين ملوكها" .
2ـ أنها طغيانية، يراد منها تحقيق درجة اكتساحية قصوى في التغلغل والتداول اللحظي بحيث تستحوذ بصورة دائمة ومتصلة على مجمل الانشغال الذهني والمشهد العام.
يرى جلاسنر بأن نجاح الخوف يعتمد ليس على القدرة في التعبير عنه فحسب، ولكن أيضاً على كيف يعبّر عن الهواجس الثقافية العميقة. ويسوق مثالاً على ذلك بأن الحرب في العالم كانت ناجحة لأنها مدمغة في مخاوف الشعب سابقاً من النازية والحرب العالمية الثانية، وراهنا من الارهاب وبخاصة عقب حوادث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
واذا كنا فيما مضى نجهل الكثير عن الكوارث الطبيعية والبشرية بفعل ضعف التواصل، فإن الثراء الاتصالي الذي حققه الانترنت والتلفزيون الفضائي ينقل اليناً معلومات عن دفعات هائلة من الجرائم الفردية والمنظمة وعمليات السطو والكوارث بكافة أشكالها بصورة لحظية.
إن إنتاج الخوف، عبر قنوات البث الاعلامي، يهيمن على مجمل فروع الصناعة، فقد أصبح الخوف مفتاحاً لتكنولوجيا السلطة. وفي الوقت نفسه، فإن سيرورة انتاج الخوف قد غيّرت مفهومنا للخطر وكذا طريقتنا في التعامل مع الخوف. إن آلة الخوف في حالة إزدهار، فالجيل المتواصل من مصادر ومضامين الخوف قد منحها وضع السيرورة التاريخية، المشفوعة بطلب متحوّل لوسيلة فهم، وسيطرة ومحو للاخطار الجديدة.
يعتقد باري جلانسنر بأن أي تحليل لثقافة الخوف يتجاهل الاعلام الخبري يعتبر ناقصاً. إن تأثير وسائل الاعلام (التلفزيون الفضائي بدرجة أساسية) كونه يجعلنا نشعر بأننا نعيش في عالم خطر للغاية، ويجب علينا حماية أنفسنا (بالسلاح، و تكثيف الرقابة البوليسية والاعتقالات، والتي هي من شأنها إشعار الناس بعدم الامن حين يرون كثافة تواجد رجال الامن والشرطة بزيهم العسكري في الشوارع العامة.
باري جلانسنر يوجّه أصابع الاتهام الى وسائل الاعلام الاميركية في تغذية ثقافة الخوف، والتي تسعى الى استقطاب جمهور المشاهدين والقراء من خلال تقديم أحداث تجمع بين الرعب والاثارة.
يعتقد جلانسنر وهو محق في ذلك بناء على مقولة للرئيس الاميركي ريتشارد نيكون بان البشر ينفعلون بالخوف أكثر من الود، ويعلق قائلاً بأن إثاره الخوف لدى أفراد المجتمع يضمن ولائهم بصورة أسهل بكثير من محاولة العمل على استقطاب تأييد المواطنين. مع اختلافنا في ربط الولاء بالخوف
وفى بعض الاحيان فان تفشى مشاعر الهلع لدى المواطنين الامريكيين يمنع المؤسسات الحاكمة والمواطنين من قبول فكرة تصحيح اية اخطاء مرتبطة بالمخاوف التى قد لا تستند الى اى اساس، بل ان انتشار الخوف بين الامريكيين ادى الى اجهاض الجهود الرامية الى استصدار قوانين منع انتشار الاسلحة النارية.
وحتى على المستوى الاقتصادي، فإن صناعة الخوف او اختلاقه بات تجارة مربحة للغاية بالنسبة لبعض المؤسسات الاقتصادية أو السياسية، بل إن وجود بعضها مرتبط بإستمرار حالة الهلع، كما هو شأن عقد صفقات الاسلحة الضخمة، واعلان حالة الطوارىء و الاحكام العرفية التي تشكل بحد ذاتها بيئة خصبة لثقافة الخوف.
يعتقد جلانسنر بأن ثمة دوراً مشبوهاً تزاول عن عمد وسائل الاعلام الاميركية لاقناع المواطنين بأن الموت يحيق بهم من جميع الاتجاهات بدءاً من ركوب السيارة وحتى تناول الطعام. ولحظ بأن الغرض من تضخيم هذه الحوادث لاستغلالها بطريقة خاطئة، حيث يقع المواطن الاميركي ضحية نظرية المؤامرة.
فقد اظهرت استطلاعات الرأى ان حوالى %75 من الامريكيين يشعرون بمخاوف غامضة لا يعرفون مصدرها، اذ ان كل شئ تقريبا اضحى يمثل لهم باعثا على القلق والارتياب، ويؤكد الامريكيون انهم يعيشون فى ظروف استثنائية عصيبة، بالرغم من الاراء التى تزعم سيطرة الولايات المتحدة على مقدرات العالم، ولكنها مع ذلك تعجز عن توفير الامان لشعبها فى الداخل،
وفيما يبدو كمحاولة هروبية من الواقع بات المجتمع الامريكى يدمن الاحساس بالخوف كتراث عزيز لا يسهل التفريط فيه، لدرجة ان ايا من المصنفات الفنية او العلمية التى لا تتصل بهذه الظاهرة لا يكتب لها الرواج فى الولايات المتحدة، مهما كانت درجة الاتقان والرصانة التى تتميز بها هذه الاعمال.
(إن الشيء الوحيد الذي علينا الخوف منه هو ذلك الخوف مما يصنعه الخوف) حسب مقولة منقولة عن الرئيس روزفلت عام 1933. ويشير كيرتشوف و كيرت باك الى أن "الاعتقاد بتهديد ظاهر يجعل من المحتمل شرح وتبرير احساس شخص ما بعدم الارتياح". فالخوف من الخوف يثير فزعاً أشد من الخوف ذاته.
إن التغطية الاعلامية تزيد في عدد الناس المصابين بأعراض تغذي التغطية الاعلامية.. فالخوف يخلق شيئاً ما نخاف منه. الخوف، بحسب باري جلاسنر " يدمّر تفاؤلنا ويجعلنا نعتقد بأننا غير قادرين على حل مشكلاتنا " .
وينقل باري جلاسنر عن البروفسور Esther Madriz في كلية هنتر الاميركية بانه أجرى مقابلة مع نساء في مدينة نيويورك حول مخاوفهن من الجريمة فكانوا يرددون عبارة "شاهدت ذلك في الاخبار" ويعلق هنتر على ذلك بأن الاعلام الاخباري لديه مصدر لخوفهم وسبب يجعلهم يعتقدون بأن تلك المخاوف واقعية. وفي سؤال استطلاعي على المستوى الوطني حول السبب الذي يجعل الافراد المشاركين في الاستطلاع بأن البلاد لديها مشكلة جريمة خطيرة، نقل 76 بالمئة منهم قصصاً شاهدوها في وسائل الاعلام، و22 بالمئة فقط رووا تجاربهم الشخصية.
قام البروفسوران Robert Blendon و John Young من جامعة هارفارد بتحليل سبعة وأربعين مسحاً حول استعمال المخدرات أجريت مابين عامي 1978 و1997، اكتشفا بأن اخبار الصحافة أكثر من التجربة الشخصية تزوّد الاميركيين بالمخاوف المسيطرة عليهم. فهناك 8 من أصل عشرة يقولون بأن مشكلة المخدرات لم تسبب مشاكل في عوائلهم، وأن الغالبية العظمى تروي تجربة مباشرة قليلة حول مشاكل ذات علاقة بمشكلة المخدرات. إن القلق المنتشر على نطاق واسع حول مشاكل المخدرات تنبعث حسب الباحثين من المخاوف في الاعلام الخبري وبخاصة التلفزيون. إن البرامج الخبرية المتلفزة تعيش على المخاوف.
أكثر من خمس مائة قصة نشرت في الصحف حول العنف في مواقع العمل خلال 1994 و1995، وكثير منها يتضمن إحصائيات مفزعة للغاية: 2.2 مليون شخص تعرضوا للاعتداء في العمل كل عام، وأن القتل هو السبب الرئيسي للموت في العمل بالنسبة للنساء وهو السبب الثالث بالنسبة للرجال.
نشر احصائيات حول الأمراض وعدد المصابين بها تثير دون ريب حالة هلع وتدخل ضمن صناعة بيئة ثقافية للخوف. في عام 1996 قام كاتب أميركي يدعى بوب جارفيلد باستعراض مقالات حول الامراض الخطيرة المنشورة خلال عام واحد في صحيفة الواشنطن بوست ونيويورك تايمز ويو اس أيه توداي. وتوصل الى أنه بالاضافة الى 59 مليون أميركي مصاباً بأمراض في القلب، هناك 53 مليون مصاب بالصداع النصفي، و25 مليون مصاباً بهشاشة أو ترقق العظام osteoporosis، الى جانب 16 مليون مصاباً بداء السمنة او زيادة الوزن obesity، و3 ملايين مصاباً بالسرطان، وفوق ذلك فإن كثيراً من الاميركيين يعانون من أكثر من مرض معيق المرتبط بالمفاصل (10 ملايين مصاباً) وإصابات في المخ (2 مليون مصاب). حين تجمع تلك التخمينات، يقرر جارفيلد بأن 543 مليون أميركي هم مرضى خطرين، وهو رقم صادم لأمة يبلغ تعداد سكانها 266 مليون. ويعلق على ذلك "إما أن نكون كمجتمع متشائمين أو أن هناك شخصاً ما يرسم صورة مضخمة".
إن القلق إزاء الاخطار الحقيقية، حين يتجاوز حدوده المعقولة يسبب ضرراً فادحاً، كما هو شأن الخوف من بعض الامراض مثل (
الفقير الى الله- عضو قديم
- عدد المساهمات : 155
تاريخ التسجيل : 29/05/2009
شـموع الامـل للدعم النفسى وتطوير الـذات :: شموع الامل النفسية :: الرهاب الاجتماعى والخجل :: استشارات: الخوف-الخجل- الرهاب الاجتماعى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 10 يونيو - 5:52 من طرف ترانس مشعل
» التفكير.. خارج الخوف داخل الامل
الثلاثاء 10 يونيو - 5:51 من طرف ترانس مشعل
» الشعوب والحكومات ... مابين التمرد والعصيان والتطوير والإصلاح
الثلاثاء 10 يونيو - 5:49 من طرف ترانس مشعل
» التحول بين الواقع والخيال:طرق التحول الجنسي
الثلاثاء 10 يونيو - 5:47 من طرف ترانس مشعل
» لا تكن لطيفا أكثر من اللازم ..!
الثلاثاء 10 يونيو - 5:38 من طرف ترانس مشعل
» 50 نصيحة لك قبل أن تكبر.
الثلاثاء 10 يونيو - 5:32 من طرف ترانس مشعل
» سااعدوووووني
الإثنين 24 مارس - 15:19 من طرف Tomorrow is better
» وساوس و خوف شديد
الأربعاء 19 مارس - 6:47 من طرف Tomorrow is better
» طرق التحويل من خارج جمهورية مصر العربيه
السبت 11 مايو - 0:32 من طرف Admin