كيف تقي نفسك من التحرش الجنسي
2 مشترك
شـموع الامـل للدعم النفسى وتطوير الـذات :: شموع الامل النفسية :: استشارات اجتماعية :: استشارات و مشاكل المراة النفسيه
صفحة 1 من اصل 1
كيف تقي نفسك من التحرش الجنسي
يبدو أن الزمن الحالى والقادم سيشهدان حالات كثيرة مما نطلق عليه التحرش الجنسى وهو لفظ جديد على الثقافة العربية والتى عرفت الغزل ( والمعاكسة ) , والمراودة , وهتك العرض , والزنا والإغتصاب . وهنا يلزمنا تعريف هذه الأشياء ليسهل التفرقة بينها , وليتمكن الضحايا من معرفة حقوقهم القانونية فى الحالات المختلفة , ولنبدأ بتعريف الغزل وهو ذكر الصفات الجميلة للمحبوب بهدف التودد إليه وإسعاده , ففى المعجم الوجيز : غزل غزلا : شغف بمحادثة النساء والتودد إليهن . وغازل المرأة : حادثها وتودد إليها . وتغزّل بالمرأة : ذكر محاسنها ووصف جمالها . ويوجد لفظ عصرى آخر وهو " المعاكسة " وفيه يتلفظ الطرف المعاكس بعبارات الإعجاب بالطرف الآخر أو بعرض نفسه عليه للحب أو للزواج , وقد تكون تلك العبارات صريحة أو تكون رمزية , وهى فى الغالب غير جارحة , وأحيانا كثيرة تكون لطيفة وقد تعجب الطرف الآخر حتى ولو لم يستجب لها حياءا أو خجلا .
أما "المراودة" فهو لفظ ورد فى القرآن الكريم فى سورة يوسف , واللفظ يصف محاولة امرأة العزيز إغواء يوسف وإغرائه وإثارته لكى يقوم بمواقعتها , ولكنه عليه السلام صمد أمام هذه المراودة . إذن فالمراودة تجمع معانى الإغواء والإغراء والإثارة فى كلمة واحدة .
أما هتك العرض فقد عرفه القانون المصرى فى المادة 268 بأنه " فعل مخل بالحياء يقع على جسم مجنى عليه معين ويكون على درجة من الفحش إلى حد مساسه بعورات المجنى عليه التى لا يدخر وسعا لصونها وحجبها عن الناس أو إلى حد اتخاذ المجنى عليه أداة للعبث به فى المساس بعورات الغير " . ويوجد فى القانون المصرى 13 مادة تتحدث عن هتك العرض وتحديدا فى قانون العقوبات فى الكتاب الثالث والرابع من المادة 267 إلى المادة 279 . وفى المادة 269 نص على أن " كل من هتك عرض صبى أو صبية لم يبلغ سن كل منهما 18 سنه كاملة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالحبس ثلاث سنوات " . وفى المادة 306 مكرر ينص القانون على أنه " يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنه وبغرامة لا تقل عن مائتى جنيه ولا تزيد على ألف جنيه كل من تعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو بالفعل فى طريق عام أو مكان مطروق ... " ويسرى حكم الفقرة السابقة إذا كان خدش حياء الأنثى قد وقع عن طريق التليفون . وفى المادة 268 نص صريح بأن " كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع فى ذلك يعاقب بالأشغال الشاقة من ثلاث سنوات إلى سبع سنوات , وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ 16 سنة كاملة يجوز إبلاغ مدة العقوبة لإلى أقصى الحد المقرر للأشغال الشاقة المؤقتة " .
فإذا جئنا إلى الزنا كما ورد فى الشريعة الإسلامية نجد الأقوال التالية : قال أبو حنيفة :" الزنا هو الوطء الموجب للحد , وأنه فى عرف الشرع واللسان وطء الرجل المرأة فى القبل " . وقال مالك بأن الزنا " هو تغييب الرجل حشفته فى فرج آدمى مطيق عمدا بلا شبهة " . أما الماوردى فقد جعل الزنا شاملا القبل والدبر فقال فى تعريفه للزنا بأنه " تغييب البالغ العاقل حشفة ذكره فى أحد الفرجين من قبل أو دبر ممن لا عصمة بينهما أو شبهة " . غير أن الرأى الراجح فى الفقه الإسلامى هو الذى يقصر الزنا على ما كان منه فى القبل دون الدبر , وخاصة أن الإتيان فى الدبر لا تتوفر فيه الحكمة من التحريم وهو ما يأخذ به القانون الوضعى الذى يعتبر الإتيان فى الدبر هتك عرض وليس زنا ويعاقب عليه بعقوبة أقل شدة .
وتستخدم بعض القوانين الجزائية العربية كلمة "مواقعة" ومعناها المباضعة والمخالطة . كذلك قد تستخدم كلمة " الجماع " ولها نفس المعنى . وعلى ذلك فإن الوطء والمباضعة والمخالطة والجماع هى أوصاف مختلفة لفعل واحد وهو الزنا الذى قد يوصف أيضا بالنكاح , وإن كان للنكاح معنيان , أحدهما عقد الزوجية , والثانى الوطء أو المواقعة أو الجماع وكلها سواء ( عن كتاب زنا المحارم للدكتور أحمد المجدوب 2003 , مكتبة مدبولى ) .
وهناك لفظ آخر فى الثقافة العربية وهو " المباشرة " , ويعنى الأفعال التى تسبق الوطء مثل اللمس والنظر إلى الأعضاء التناسلية , والتقبيل والعناق والمفاخذة , وقد يؤدى هذا إلى الوطء الكامل بعد ذلك أو لا يؤدى .
فإذا جئنا إلى تعبير التحرش الجنسى , وهو تعبير – كما ذكرنا – يبدو جديدا على الثقافة العربية فهو ترجمة للتعبير الإنجليزى : Sexual Harrassment أو ٍSexual Assault , وبالبحث عن معنى الكلمة فى القاموس وجدنا المعاتى التالية ( المعجم الوجيز , عام 2000 طبعة وزارة التربية والتعليم , مصر , ص 144 ) : حرشه حرشا : خدشه . وحرش الدابة : حك ظهرها بعصا أو نحوها لتسرع . وحرش الصيد : هيّجه ليصيده . والشئ الحرش : الخشن . وحرّش بينهم : أفسد بينهم . وتحرّش به : تعرّض له ليهيّجه.
ويتضح من هذه المعانى اللغوية أن لفظ التحرش يجمع بين القول والفعل , وأنه يحمل معنى الخشونة أو التهييج أوالإعتداء الخفيف . وهذا المعنى اللغوى العربى بالإضافة إلى دلالات المعنى الإنجليزى يتفقان على جمع معنى التحرش للقول والفعل , وهذا يدفع قول القائلين بأن التحرش يتوقف عند القول فقط دون الفعل , وأن الفعل يدخل فى نطاق هتك العرض . والحقيقة أن التحرش درجة أقل من هتك العرض بمعناه القانونى فالأول يتضمن إيماءات أو تلميحات أو نظرات أو كلمات أو لمسات أو همسات ليست بنفس درجة الفجاجة والعنف فى هتك العرض , ولكنها تجرح مشاعر أى أنثى محترمة تعتز بكرامتها الإنسانية وبهويتها الأنثوية . ولهذا نقترح هذا التعريف للتحرش سواء كان من ذكر لأنثى أو من أنثى لذكر أو بين طرفين من نفس الجنس :
" التحرش الجنسى هو أى قول أو فعل يحمل دلالات جنسية تجاه شخص آخر يتأذى من ذلك ولا يرغب فيه " .والتعريف بهذا الشكل يجمع بين الرغبة الجنسية والعدوان من طرف إلى طرف بغير تراض . والتحرش بهذا المعنى يجمع بعض عناصر المراودة التى ذكرناها من قبل والتى وردت فى سورة يوسف وبين هتك العرض , ولكنها لا تقتصر على أيهما . والتحرش قد يكون بنظرة فاحصة متفحصة داعرة ولكن هذا مما يصعب إثباته لذلك اكتفينا فى التعريف بالقول أو الفعل , ومع هذا إذا وجدت طريقة أو شهود يثبت بها تلك النظرة تصبح تحرشا . وقد نحتاج إضافة شئ فى القانون يغطى أعمال التحرش مع ذكر أمثلة لها استجدت فى واقع الحياة العصرية ولم تغطها عقوبات هتك العرض والتى صيغت فى ظروف مجتمعية كانت تتسم بالفصل بين الرجال والنساء فلى أغلب الأحوال , أما الآن ومع هذا الحضور الأنثوى فى كل مكان وكل موقع , ومع هذا الإقتراب بين الجنسين فى الشارع والمواصلات وأماكن الدراسة أو العمل المفتوحة والمغلقة ,أصبح هناك احتياجا لضبط وتقنين السلوكيات بشكل أكثر دقة وتفصيلا .
* حجم الظاهرة :
فى دراسة للدكتور أحمد عبدالله (2006 ) تبين أن أكثر من 60% من الفتيات يذكرن أنهن قد تعرضن للتحرش بصورة أو بأخرى خلال حياتهن . وفى دراسة للدكتور على إسماعيل وآخرين (2006) على المرضى المترددين على عيادة الأمراض النفسية بمستشفى الحسين الجامعى تبين أن 9% من العينة قد عانوا من الإنتهاك الجنسى فى فترة من فترات حياتهم ( أو حياتهن ) . وفى دراسات تمت فى المجتمعات الغربية تبين تعرض الفتيات للإنتهاك الجنسى بنسبة 13% وتعرض الفتيان بنسبة 4% , والإنتهاك هنا يتراوح بين هتك العرض والزنا والإغتصاب .
* القيم الإجتماعية والتحرش :
يوجد فى بعض المجتمعات البدوية ما يعرف ب " صيحة الضحى " وهى تعنى أهمية صيحة أى امرأة فى وقت الضحى ( وقت الخروج للرعى وأداء المصالح ) وسرعة الإستجابة لهذه الصيحة من أقرب شخص يسمعها وهبته للنجدة , مع العقاب الشديد الذى توقعه القبيلة على من تعدى على حرمة المرأة . وفى التاريخ الإسلامى قام المعتصم بتجييش الجيوش لغزو الروم استجابة لصيحة امرأة قالت فى لحظة غبن " وامعتصماه" .
أما الآن فقد تراجعت هذه القيمة كثيرا ولم يعد الرجل ( أو المجتمع ) ينتفض لاستغاثة امرأة (اغتصبت فتاة فى ميدان العتبة فى القاهرة فى وضح النهار ولم يغثها أحد , وحدث تحرش جماعى بالفتيات فى يوم العيد فى شارع طلعت حرب فى وسط القاهرة ولم يتحرك أحد , أو تحرك القليلون متأخرا جدا ) , وربما يكون هذا راجعا إلى نظرة المجتمع المعاصر للمرأة على أنها مخلوق أدنى أو مخلوق شرير أو أنها خرجت إلى الشارع وإلى الحياة لتزاحم الرجل وتخطف منه فرص العمل والتفوق لهذا يتركها تواجه مصيرها , وربما يشمت فيها الرجل إن تعرضت لسوء . وقديما كانت الأسرة ترفض أن يعاكس ابنها فتاة فى الشارع أو عن طريق التليفون , والآن لا نجد مثل هذا الرفض بل أحيانا تساعد الأم ( أو تصمت ) على علاقات ابنها العاطفية أو تفعل ذلك أحد الأخوات دون حرج .
* طرق التحرش :
1 – لفظية : واللفظ هنا يختلف عن ألفاظ الغزل الرقيقة والمتوددة , فهو يميل إلى الفجاجة والصراحة الجارحة , ويميل إلى الدلالات الجنسية , وأحيانا يستخدم المتحرّش ألفاظا سوقية يعبر بهل عن أطماعه فى الضحية , وأحيانا أخرى تأخذ معنى المراودة بما تتضمنه من إغواء وإغراء وإثارة .
2 – جسدية : وجسدية هنا تتضمن النظرة الفاحصة المتفحصة , أو الإيماءة الفاضحة الجارحة , أو استعراض بعض أعضاء الجسم وخاصة الأعضاء الجنسية , أو أخذ أوضاع معينة ذات دلالات جنسية , أو اللمس أو التحكك أو الضغط , أو محاولة الإمساك بالضحية أو ضمها أو تقبيلها عنوة .
* أماكن التحرش :
1 – خارج البيت : يمكن أن يحدث التحرش فى الشارع ويكون فى صورة كلمات بذيئة أو نظرات متفحصة أو اعتراض لطريق لضحية أو محاولة لمسها أو الإحتكاك بها , وقد يبدو هذا وكأنه غير مقصود بحيث إذا اعترضت الضحية ادّعى الجانى بأن هذا حدث صدفة دون قصد .وفى وسائل المواصلات يغلب أسلوب التحكك واللمس والضغط بحجة الزحام أو محاولة المرور من بين الناس , أو قد يظهر بعض الركاب أنه نائم فيلقى بيده أو رجله أو رأسه على أحد أجزاء جسد الضحية على اعتبار أنه ليس على النائم حرج , فإذا تقبلت الضحية أكمل مشوار التحرش أما إذا شكت أو تململت فإنه يبدى اعتذاره ويتعلل بنومه .ولهذا تم تخصيص عربات ترام للنساء ( حتى فى لندن ) لحمايتهن من التحرش ( ومع هذا نجد الكثيرين من النساء والفتيات يفضلن الركوب فى عربات الرجال رغم أنها أكثر اذدحاما !!!!!!! ) , وفى كثير من الأحيان يحرص من يقطع التذاكر فى القطارات أو الحافلات على أن يجعل النساء فى كراسى متجاورة حتى لا يعرضهن لمضايقات المتحرشين , وهذا تقليد جميل نرجو أن يقنن . وفى الأسواق حيث الزحام والصخب وانشغال الناس بالفرجة والمساومة على الأسعار تكثر اللمسات والإحتكاكات , ولذلك يقصد العابثون الاسواق بالذات لتحقيق أغراضهم . وعلى الشواطئ حيث تسود حالة من التراخى فى القيم والأعراف على اعتبار أن الشاطئ مكان للهو والمرح , تنطلق رغبات المتحرشين فى صورة تأمل وتفحص للأجساد العرية ثم تعليقات على صاحبات الأجساد وإذا أمكن محاولات الإقتراب فاللمس بدرجاته على غير رغبة من الضحايا .وفى حمامات السباحة حيث تتعري الأجساد وتقترب يجد المتحرشون فرصة للإقتراب أو الإصطدام الذى يبدو غير مقصود ولا مانع لديهم من التظاهر بالإعتذار , والإعتذار نفسه يعطى للمتحرش فرصة للإقتراب والحديث مع الضحية وتصويب النظرات إليها عن قرب . وفى السينما حيث الظلام والتجاور بين الناس من كل الجهات يجد المتحرش الفرصة للمس أو القرص أو الضغط بالإيدى أو الأرجل أو إصدار تعليقات سخيفة وخارجة وجارحة على مسمع من الضحية . وفى أماكن العمل المزدحمة أو المغلقة أو المعزولة خاصة إذا كانت هناك فرصة للخلوة الآمنة تستيقظ رغبات المتحرش ( أو المتحرشة ) وتخرج فى صورة نظرات ذات معنى أو كلمات ذات دلالة أو حركات أو لمسات أو همسات . وفى السجون حيث الحرمان الجنسى للجنسين والوحدة والعزلة وفقد الأمل والفراغ , كل هذا يوقظ الغرائز الدنيا فى الإنسان ويدفعه دفعا للتحرش وربما هتك العرض أو الإغتصاب , ولهذا تدعو جمعيات حقوق الإنسان إلى إتاحة الفرصة للمسجونين والمسجونات بالإلتقاء بزوجاتهم وأزواجهن لتصريف هذه الطاقة فى مساراتها الشرعية وذلك للتقليل من دوافع الإنحراف داخل السجون ولتلبية الإحتياجات الإنسانية الفطرية بشكل صحيح . ولا تخلو بعض الأماكن الراقية مثل النوادى من محاولات التحرش بأشكالها المختلفة . وفى الدروس الخصوصية تم رصد الكثير من حالات التحرش بالفتيات أو بالأطفال بعضها تم الإبلاغ عنه وبعضها يتم التغطية عليه اتقاءا للفضيحة أو تجنبا للمشاكل , وبما أن الدروس الخصوصية أماكن لالتقاء الشباب والرجال بالفتيات والأطفال فى أماكن مغلقة لا تخضع لأى رقابة حكومية أو أسرية لهذا تكثر حالات التحرش وماهو أكثر من التحرش فى هذه الأجواء الخفية والمعزولة .
وقد يحدث التحرش فى بعض العيادات أو المستشفيات حين تمتد عين أو يد الطبيب أو التمريض أو المساعدين إلى جسد المريضة فى غير ذات ضرورة . وفى مكاتب المديرين ورجال الأعمال حيث السكرتيرة الحسناء والمدير المتألق ينشط الطمع الذكورى لدى الرجل النرجسى فيرى أن جسد السكرتيرة وجمالها ملك يمينه , وربما تتحرش هى أيضا به فالجو فى داخل المكتب المغلق والتواجد الطويل والمريح معا يساعد كثيرا على ذلك .أما فى دور العبادة فربما يصعب تخيل وجود حالات تحرش حيث الجو الروحانى وحيث أن الناس تذهب إلى هناك لأداء العبادات وليس لإشباع الرغبات , إلا أن الواقع يقول بأن ثمة حالات تحرش تمت وتتم فى بعض دور العبادة حيث يأخذ المتحرش دور الواعظ أو المعلم أو المحفظ ويختلى بالأطفال أو (تختلى بالفتيات) وهنا يحدث المحظور وقد يأخذ شكل لمسات أو أحضان قد تبدو أبوية ثم تتطور مع الوقت إلى أشياء أكثر وضوحا , وقد يخشى أو يخجل الطفل من الإفصاح عنها لأبويه فيستمر الوضع لشهور أو سنوات والأبوين مطمئنين لوجود ابنهما أو ابنتهما فى أحد دور العبادة تحت رعاية شيخ أو واعظ أو محفظ يتظاهر بالتقوى والورع .
2 – داخل البيت : وقد يحدث التحرش من أحد المحارم كالأب أو الأخ الأكبر أو الأم أو الأخت الأكبر , أو من أحد الأقارب كالعم أو الخال أو غيرهم . والإيذاء النفسى الذى يحدث من تحرش أحد المحارم أو أحد الأقارب يفوق بكثير ما يحدث من الغرباء فهو يأتى ممن يتوقع منهم الرعاية والحماية والمحافظة , لذلك حين يحدث تهتز معه الكثير من الثوابت وتنهار الكثير من الدعائم الأسرية والإجتماعية وتدع الضحية فى حالة حيرة واضطراب .
* بيئة التحرش :
يبدو أن الظروف الحياتية الحالية تمثل ما يمكن أن نطلق عليه " بيئة محرضة على التحرش " ونذكر منها ما يلى :
1 - الإذدحام : فحين تتقارب الأجساد إلى درجة الإلتصاق فى البيت والشارع والمواصلات والمدارس والجامعات والنوادى والشواطئ وفى كل مكان فإن هذا يشكل أرضية مهيجة ومنشطة لدوافع التحرش لدى المهيئين لذلك , وربما لدى غيرهم لممارسة التحرش . وهناك لدى علماء الإجتماع ما يسمى بالمساحة الحضارية وهى المساحة التى يتحرك الفرد فيها داخل المجتمع , ومن المعروف أنه كلما تقلصت هذه المساحة الحضارية كلما كثرت الإحتكاكات والمشكلات فى التعامل بين الناس وزادت الميول العدوانية .
2 - اقتراب الجنسين فى كل مكان : فنظرا لخروج الفتيات والنساء للدراسة والعمل فقد أصبح الحضور الأنثوى والإقتراب الأنثوى أحد مظاهر الحياة الحالية , وفى غياب الإشباع الكافى لاحتياجات الجنسين وغياب القيم الأخلاقية والدينية , تندفع النفوس المحرومة والمنفلتة تخطف ماليس من حقها متعللة بالحرمان أو القرب.
3 – العشوائيات : وهى بيئة تجمع بين الإذدحام والفقر والحرمان والتلوث البيئى والأخلاقى , ولذلك فهى بيئة نموذجية لتصدير كل الأمراض والتشوهات الأخلاقية والإجتماعية إلى بقية قطاعات المجتمع وطبقاته .
4 - الخطاب الدينى والإعلامى : فالخطاب الدينى المتشدد الذى يصور المرأة على أنها جسد مدنس مسكون بالغواية والإغراء ويجب إخفاءه أو وأده بعيدا عن الأنظار , هذا الخطاب يجعل المرأة جسدا مرغوبا بالفطرة الطبيعية لدى الذكور ومكروها ومحتقرا فى نفس الوقت لدنسه وغوايته . وهذه التركيبة تشكل أرضية للتحرش فالمتحرش هنا يتوق إلى هذا الجسد ويرغبه وفى نفس الوقت يخافه ويحتقره . والخطاب الإعلامى على الرغم من تناقضه مع الخطاب الدينى المتشدد إلا أنه يصل تقريبا إلى نفس النتيجة فهو يعرض جسد المرأة عاريا ويستخدمه للترويج للسلع والأفلام والمسرحيات والأغانى فيبعث برسالة إلى المشاهد مفادها أن المرأة عبارة عن جسد جميل ملئ بالإغواء والإغراء ونداءات المتعة . إذن فكلا الخطابين يصلان إلى نتيجة واحدة (على الرغم من تناقضهما الظاهرى) مفادها أن المرأة ليست كيانا إنسانيا جديرا بالإحترام والحب والمودة والرعاية وإنما هى كائن شيطانى ملئ بألوان المتعة والغواية . ولهذا نجد المتحرش يحمل فى تكوينه كلا من الرغبة الجنسية والعدوان تجاه المرأة التى يتحرش بها فهو يريد أن يستمتع بجسدها دون اعتبار لها كإنسانة محترمة , فيخطف منها ما يريد ويتركها هملا بلا أى اهتمام أو رعاية .
5 - المسكرات والمخدرات : وهى تساعد الشخص على إخماد قوى الضبط النفسى والأخلاقى , وبالتالى تحدث لديه حالة من الإنفلات وحالة من غيبوبة الضمير .
* نماذج التحرش :
يأخذ التحرش أحد الصور التالية :
1 – تحرش فردى: مدير مع سكيرتيرته , موظف مع زميلته , مدرس مع تلميذته ..... الخ .
2 – تحرش جماعى : ويحدث حين يتجمع عدد من الأشخاص حول ضحية , وخطورة هذا النوع أن التجمع يعطى حالة من الجرأة وعدم الشعور بالمسئولية الفردية وربما يدفع للتنافس بين المتحرشين فيأتون بأفعال يصعب قيام أحدهم بها على المستوى الفردى , وهذا ما حدث فى التحرش الجماعى فى وسط القاهرة أمام سينما مترو وفى شارع طلعت حرب فى عيد الفطر 2006 وأحدث حالة من الهرج والمرج والهلع الشديد لدى الضحايا ولدى غيرهم إذ ظهر الشباب المتحرش فى حالة انفلات غرائزى شديد ومتبجح وغير معتاد فى المجتمع المصرى .
3 – تحرش سلطوى : ويتم فى الدول البوليسية المستبدة حيث يقوم الجهاز الأمنى بالتحرش بالمعارضين أو التحرش بزوجاتهم أو بناتهم بهدف نزع الإعترافات أو الضغط النفسى الشديد عليهم , وقد يتجاوز الأمر من التحرش إلى الإنتهاك أو الإغتصاب , وهذا يشكل قمة العدوان على كرامة الإنسان لأنه يصيبه فى شرفه وكرامته وكيانه الإنسانى يهدم فيه كل هذه المعانى . ويكثر التحرش الجنسى السلطوى تجاه المعارضات من الفتيات والنساء حيث يعلم النظام السلطوى المستبد حساسية هذه الأمور بالنسبة لأى فتاة أو امرأة فيعمد إلى تسليط أعوانه للتحرش بالمعارضات فى المظاهرات أو أثناء الإنتخابات وذلك لبث الرعب فى نفوسهن ونفوس غيرهن . وهذا التحرش السلطوى يحدث حين تنحدر أخلاقيات النظام الأمنى والسياسى إلى الدرك الأسفل من السلوك , وهو دلالة على فقد الشرعية وعلى فشل هذا النظام فى التحاور والمنافسة الشريفة .
4 – تحرش عكسى : وهو يعنى أن تتحرش الأنثى بالرجل , وهو عكس المعتاد من تحرش الرجل بالأنثى على أساس أن الرجل هو الأقوى جسديا وهو المبادر بالتحرش فى أغلب الأحيان بسبب طبيعته الذكورية , ومع هذا نجد نماذج من تحرش المرأة بالرجل خاصة لو كانت أكبر سنا أو أكثر خبرة أو أعلى فى المنصب أو المكانة الإجتماعية , أو امرأة مسترجلة , أو لديها ميول جنسية مضطربة أو سادية النزعة .
* سيكولوجية التحرش :
سوف نتتبع التركيبة النفسية لعملية التحرش على المحاور التالية :
1 – المتحرش : قد يكون المتحرش من النوع السادى الذى لا يستمتع بالعلاقات الجنسية العادية وإنما يسعده أن يأخذ ما يريده من الطرف الآخر بقدر من العنف والإجبار والقهر ,أو يكون من النوع الإستعرائى الذى يجد متعته فى استعراض أعضائه التناسلية أمام الضحية ويستمتع بنظرة الدهشة والإستغراب والخوف على وجه من يراه وكثير منهم تحدث له النشوة ويقذف لمجرد حدوث هذه الأشياء .وهناك النوع التحككى الذى يجد متعته فى الإلتصاق بالضحية فى الزحام والتحكك بها حتى يصل إلى حالة النشوة والقذف .أما النوع الهستيرى فيغلب وجوده فى النساء حيث تتحرش المرأة الهستيرية بالإغواء والإغراء للرجل الضحية لفظيا وجسديا حتى إذا تحرك نحوها صرخت واستغاثت بمن حولها لإنقاذها من هذا الحيوان الذى يريد اغتصابها , والشخصية الهستيرية تفتقد للثقة بنفسها لذلك تسعى للإغواء والإيقاع بالضحية لكى تطمئن على قدرتها على ذلك ثم تتعمد توسيع الدائرة لكى يعلم عدد من الناس كم هى مرغوبة ومطلوبة وكم هى جذابة لدرجة تخرج الناس عن طورهم . كل النماذج السابقة تعتبر نماذج مرضية مضطربة , والتحرش لا يقتصر على تلك النماذج بل يمكن أن يحدث من أشخاص عاديين فى ظروف تشجعهم على ذلك , وهذا ما نسميه " التحرش العرضى " أو " التحرش الموقفى " , بمعنى أنه سلوك عارض فى حياة الشخص أو سلوك ارتبط بموقف معين وليس بالضرورة أن يتكرر , على عكس التحرش المرضى الذى سبق وفصلناه ففيه الفرصة للتكرار لأن وراءه دوافع متجددة تدفع الشخص للتورط فيه من آن لآخر . وكون التحرش مدفوع باضطرابات مرضية لا يعفى صاحبه من المسئولية كما قد يظن البعض أو يتخوف , وإنما ربما يفسر لنا ما يحدث وينبهنا لإمكانية تكرار حدوثه , وربما فقط يخفف العقوبة فى بعض الظروف .
2 – المتحرش بها : قد تكون التحرش بها عرضيا أو موقفيا بمعنى أنه يحدث فى ظروف معينة وأنها لا تقوم بسلوكيات مقصودة أو غير مقصودة تدفع لتكرار التحرش . أما القابلية لحدوث التحرش وتكراره فتكون أكثر فى الشخصيات الهستيرية والتى تقوم بالإغواء كما ذكرنا لتثبت لنفسها أولا وللآخرين ثانيا أنها جذابة ومرغوبة وهى لذلك تحرص على التشهير بمن تحرش بها على الرغم من أنها لعبت دورا أساسيا فى حدوث التحرش فهى جانية ومجنى عليها فى ذات الوقت , وهذه الشخصيات لديها تاريخ طويل فى تحرش الناس بها فتحكى أن والدها قد تحرش بها وكذلك أخيها الأكبر وزميلها فى المدرسة ومدرسها الخصوصى والطبيب الذى يعالجها ورئيسها فى العمل , وكأن الرجال كلهم يتحرشون بها لفرط جمالها وجاذبيتها على الرغم من أن الشخصية الهستيرية تعانى فى داخلها من البرود العاطفى والجنسي لذلك تحاول أن تعوض ذلك بسلوك إغوائى .وهناك الشخصية السيكوباتية التى تدفع الآخرين للتحرش بها بهدف ابتزازهم وتحقيق مصالح معينة من هذا الإبتزاز , وقد يحدث هذا فى مجالات السياسة أو مجالات الجاسوسية أو فى وسط رجال الأعمال. أما الشخصية الماسوشية فهى تستمتع بالإهانة والإذلال والعنف الذى يمارسه المتحرش ضدها فلديها إحساس عميق بالذنب والإنحطاط وانعدام القيمة وأنها جديرة بالقهر والإذلال والإمتهان وهى تشعر بالراجة حين يمارس ضدها أى عنف جنسى أو جسدى , وهى لا تميل إلى الشكوى أو التشهير بالمتحرش ( كما تفعل الشخصية الهستيرية ) وإنما تكتفى بما تحصل عليه من إهانة وقهر وإذلال .
3 – الإحتياجات : وضع عالم النفس الشهير أبراهام ماسلو ما يسمى بهرم الإحتياجات فوضع فى قاعدته الإحتياجات الأساسية ( أو البيولوجية ) وهى الطعام والشراب والمسكن والجنس , ويعلوها الإحتياج للأمن ويعلوه الإحتياج للحب , ويعلوه الإحتياج للتقدير الإجتماعى , ويعلوه الإحتياج لتحقيق الذات , ويعلوه الإحتياجات الروحية . فإذا فقد الإنسان أحد هذه الإحتياجات أو بعضها أو أغلبها فإنه يسعى لإشباعها من نفس نوع الإحتياج إن وجد أو من احتياج آخر أعلى أو أدنى حسب ما يتاح له . فمثلا إذا فقد الإنسان الحب أو فقد التقدير الإجتماعى أو فقد القدرة على تحقيق ذاته ,أو فقد القدرة على التواصل الروحى فإنه ربما يلجأ إلى التحرش أو الإنغماس فى الجنس أو القمار أو المخدرات فى محاولة منه لسد فجوة الإحتياج المفقود . وقياسا على هذا نستطيع القول بأن الشباب الذين قاموا بالتحرش الجماعى فى وسط القاهرة كانوا يفتقدون ربما الإحساس بالكرامة أو الإحساس بالقيمة أو الإحساس بالحب أو الإحساس بالأمان أو فقدوا القدرة على الإشباع الجنسي بطريق شرعى فانطلقوا يعوضون هذه الإحتياجات المفقودة من خلال التحرش .
4 – الدوافع والضوابط : يتميز الإنسان الطبيعى بحالة من التوازن بين الدوافع والضوابط , وهذا ما يجعله يتمكن من السيطرة على دوافعه بناءا على الإعتبارات الدينية والأخلاقية والإجتماعية . وضوابط الإنسان ليست كلها داخلية متمثلة فى الضمير الشخصى , ولكن هناك الضابط الإجتماعى المتمثل فى ضغط الأعراف والتقاليد , وهناك الضابط القانونى الذى يمثل نوعا من الردع خاصة لأولئك الذين لم يردعهم الضمير ولم تردعهم الأعراف والتقاليد الإجتماعية . وإذا ضعف أى من هذه الضوابط أو ضعفت كلها , أو طغت الدوافع فإننا نتوقع خروج الرغبات ( العدوانية والجنسية ) فجة ومتحدية ومهددة للسلام الإجتماعى .
* الآثار النفسية للتحرش الجنسي :
هناك آثار سريعة تظهر مباشرة أثناء حالة التحرش وتستمر بعدها لعدة أيام أو أسابيع وتتلخص فى حالة من الخوف والقلق وفقد الثقة بالذات وبالآخرين وشعور بالغضب من الآخرين وأحيانا شعور بالذنب . والشعور بالذنب هنا يأتى من كون المرأة حين تتعرض للتحرش كثيرا ما تتوجه لنفسها باللوم وأحيانا الإتهام , ولسان حالها يقول لها : " ماذا فعلت لكى يفكر هذا الشخص فى التحرش بك ؟ " .... " يبدو أن فيك شيئا شجع هذا الشخص على أن يفعل ما فعل " .... " يبدو أنك فعلا سيئة الخلق وعديمة الكرامة " ..... " لماذا طمع فيك أنت بالذات ؟؟ " ..... " إنه يظن أننى من أولئك النساء الساقطات " .... " هل يكون قد سمع عنى شيئا شجعه على ذلك ؟؟؟ " .
وهناك آثار تظهر على المدى الطويل وتتمثل فيما نسميه بكرب ما بعد الصدمة خاصة إذا كان التحرش كان قد تم فى ظروف أحاطها قدر كبير من الخوف والتهديد للشرف أو للكرامة أو لحياة الضحية وسلامتها , وهنا تتكون ذاكرة مرضية تستدعى الحدث فى أحلام اليقظة أو فى المنام وكأنه يتكرر مرات كثيرة كما يحدث اضطراب نفسى وفسيولوجى عند مواجهة أى شئ يذكر الضحية بالحدث , ويتم تفادى أى شئ له علاقة بالحدث , ويؤدى ذلك إلى حالة دائمة من الخوف والإنكماش والتردد وسرعة التأثر . كما أن الضحية تفقد قدرتها على الإقتراب الآمن من رجل , وإذا تزوجت فإنها تخشى العلاقة الحميمة مع زوجها لأنها تثير لديها مشاعر متناقضة ومؤلمة .
* طرق الوقاية من التحرش :
هناك استراتيجيتان للتعامل مع حالات التحرش :
1 _ التفادى : وتعنى تجنب الأماكن والمواقف التى يتوقع فيها التحرش مثل الأماكن المعزولة أو المغلقة التى يسهل الإنفراد فيها بالضحية , أو الأماكن المزدحمة , أو التواجد مع أشخاص بعينهم يتوقع منهم هذا السلوك . وتتعلم الفتاة بشكل خاص أن تتجنب المواصلات المزدحمة , وأن تستفيد من وجود العربات المخصصة للنساء فى الترام , وإذا ركبت تاكسى أن لا تركب بجوار السائق فى الكرسى الأمامى وأن لا تتبسط إليه فى الحديث بدون داعى , وإذا ذهبت إلى عيادة الطبيب أن لا تذهب وحدها , وأن تعرف الأسرة ظروف وأماكن الدروس الخصوصية لبناتها وأبنائها ........ إلخ . واستراتيجية التفادى قد تمنع حوالى 75% من حالات التحرش ومواقفه دون مشكلات تذكر .
2 – المواجهة : وفيها تواجه المتحرش بها الشخص المتحرش , إما بنظرة حازمة ومهددة , أو بكلمة رادعة ومقتضبة , أو بتغيير مكانها ووضعها , أو بتهدديده وتحذيره بشكل مباشر , أو بالإستغاثة وطلب المساعدة ممن حولها , أو بضربه فى بعض الأحيان . واستراتيجية المواجهة تحتاج لذكاء وحسن تقدير من الضحية , وليس هناك سيناريو واحد يصلح لكل المواقف , وإنما يتشكل السيناريو حسب طبيعة الشخص وطبيعة الظروف . وهناك طرق قد تبدو طريفة فى المواجهة تستخدمها بعض الفتيات مثلا فى وسائل المواصلات فبعضهن يستخدمن دبوسا ضد من يحاول التحكك بهن , وهى وسيلة دفاع صامتة وقد تكون مؤثرة ورادعة , وبعضهن يتعلمن وسائل الدفاع عن النفس مثل الكاراتيه والتايكوندو والكونجفو لتتمكن من الدفاع عن نفسها دون الحاجة للمساعدة الخارجية , خاصة حين تضعف السلطات الأمنية أو تتغيب أو تنشغل بحماية أولى الأمر عن حماية الشعب أو تضعف النخوة والمروءة فى المجتمع .. ويعيب استراتيجية المواجهة أنها ربما تحدث ضجة أو فضيحة لا تحبذها المرأة أو الفتاة فى مجتمعاتنا المحافظة , على الرغم من أن فيها ردع قوى لكل من تسول له نفسه بالتحرش بأى فتاة .
وهناك تعليمات عامة لمن تواجه حالة تحرش نذكر منها :
- حاولى الإنتقال قدر الإمكان إلى مكان أكثر أمانا بعيدا عن المتحرش فمثلا إذا كنت فى وسيلة مواصلات فعليك بالنزول منها أو تغيير مكانك فيها حسب ما يتطلب الموقف , وقد تطلبين من أحد الركاب الجالسين ممن تتوسمين فيه الخير أو المروءة أن يقوم لتجلسي مكانه ولا مانع من أن توصليه رسالة موجزة بأنك تتعرضين لمشكلة وهو سيفهم ويساعد فى الأغلب . وإذا كنت فى مكان مغلق فعليك الإنتقال فى أسرع وقت إلى مكان مفتوح حتى لا ينفرد بك المتحرش . أما إذا كان الإبتعاد عن المتحرش غير متاح فعليك أن تواجهيه بنظرة حازمة وغاضبة ورافضة ومؤكدة , وأن تعلنى رفضك بكلمات قليلة ومحددة , دون الدخول فى نقاش معه . لا ترفعى صوتك ولا تستخدمى كلمات جارحة . لاتقولى له من فضلك أو لو سمحت أو أى كلمات من هذا القبيل ولا تفتحى معه مجالا للمناقشة , ولا تجيبى على أى أسئلة يوجهها إليك المتحرش ولا توجهى أنت إليه أي أسئلة . باختصار اقطعى عليه الطريق باستخدام النظرة الحازمة الرافضة الغاضبة واستخدام كلمات قليلة محددة ومؤكدة ورافضة . والمتحرش فى أغلب الحالات يكون جبانا لذلك يتراجع عند أول بادرة رفض أو تهديد .
وإذا كنت أما وتريدين حماية ابنتك من التحرش فافعلى ذلك دون إثارة حالة من الرعب والفزع فى نفسها , فمثلا أوصها ألا تسمح لأحد غريب باصطحابها إلى أى مكان , أو أن يتحسس جسمها أو يكشف ملابسها , أو يعبث بها , وأن لا تدخل فى أماكن مغلقة مع رجل سواء فى محل بقالة أو مكتبة أوغيرها , وأن لا تمشى فى أماكن معزولة , أو فى أوقات متأخرة من الليل . ولا تلبسى هذه التنبيهات ثوبا جنسيا وإنما علميها إياها من خلال وجوب محافظتها على كرامتها وسلامتها .
ويحتاج المجتمع لأن يقى أبنائه وبناته شر التحرش وأن يجنبهم آثاره وذلك بتيسير إشباع الإحتياجات الإنسانية بطرق مشروعة , والحد من المواد الإعلامية والإعلانية المثيرة للغرائز , وترشيد الخطاب الدينى الذى يصور المرأة على أنها جسد شيطانى شهوانى يجب تغييبه عن الحياة تماما وعزله بالكامل داخل غرف مغلقة بعيدا عن أعين الرجال الحيوانيين . ويحتاج المحتمع لأن يرعى وينمى فى أبنائه ضوابط الضمير والضوابط الإجتماعية والضوابط القانونية للحفاظ على التوازن الصحى بين الدوافع والضوابط .
الوقاية من فرط الوقاية :
يبدو أن تجنب السلوك الوسواسى فى الوقاية لا يقل أهمية عن أمر الوقاية , فقد حكت لى أحد الأمهات أنها تسأل ابنتها البالغة من العمر عشر سنوات كل يوم حين عودتها من المدرسة أو من أى مكان تذهب إليه إن كان أحدا قد مسها أو لمسها أو تحرش بها أو حاول الإعتداء عليها , ولا تكتفى بذلك بل تقوم بفحصها أحيانا فحصا جسديا بحثا عن آثار الإعتداء الذى تخشاه أو تتوقعه . وهذا النموذج يتكرر بصورة أو بأخرى وبدرجات مختلفة بين نسبة غير قليلة من الأمهات , والأم هنا تعتقد أنها تقوم بواجبها الأمومى على خير وجه فى حين أنها تزرع فى ابنتها بذور الوسواس والشك تجاه مسألة العذرية وتجاه الأخطار المحيطة وتجاه الرجال " المتوحشين " أو "الحيوانيين" , ولا نتوقع بعد ذلك نموا نفسيا طبيعيا لهذه الفتاة التى مارست معها أمها ما نسميه " فرط الوقاية " أو " الوقاية الوسواسية " .
وبعض الأمهات أو الآباء من كثرة ما يسمعونه من حوادث التحرش والإعتداء الجنسى وخطف الأطفال واغتصابهم وقتلهم أحيانا , ربما يعمدون إلى منع أبنائهم وبناتهم من الخروج نهائيا من البيت , مع تحذيرهم من كل شئ يقترب منهم أو يحيط بهم , وهذا أيضا موقف مرضى يكون فى عقل الطفل ( أو الطفلة ) صورة مرعبة وغير حقيقية عن العالم المحيط به وعن الناس وهذا يحول بينه وبين الإحساس بالأمان ويحول بينه وبين الثقة بأى أحد من الناس , والناتج النهائى لكل هذه الصور من فرط الوقاية إما حالات قلق , أو وسواس , أو بارانويا .
أما "المراودة" فهو لفظ ورد فى القرآن الكريم فى سورة يوسف , واللفظ يصف محاولة امرأة العزيز إغواء يوسف وإغرائه وإثارته لكى يقوم بمواقعتها , ولكنه عليه السلام صمد أمام هذه المراودة . إذن فالمراودة تجمع معانى الإغواء والإغراء والإثارة فى كلمة واحدة .
أما هتك العرض فقد عرفه القانون المصرى فى المادة 268 بأنه " فعل مخل بالحياء يقع على جسم مجنى عليه معين ويكون على درجة من الفحش إلى حد مساسه بعورات المجنى عليه التى لا يدخر وسعا لصونها وحجبها عن الناس أو إلى حد اتخاذ المجنى عليه أداة للعبث به فى المساس بعورات الغير " . ويوجد فى القانون المصرى 13 مادة تتحدث عن هتك العرض وتحديدا فى قانون العقوبات فى الكتاب الثالث والرابع من المادة 267 إلى المادة 279 . وفى المادة 269 نص على أن " كل من هتك عرض صبى أو صبية لم يبلغ سن كل منهما 18 سنه كاملة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالحبس ثلاث سنوات " . وفى المادة 306 مكرر ينص القانون على أنه " يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنه وبغرامة لا تقل عن مائتى جنيه ولا تزيد على ألف جنيه كل من تعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو بالفعل فى طريق عام أو مكان مطروق ... " ويسرى حكم الفقرة السابقة إذا كان خدش حياء الأنثى قد وقع عن طريق التليفون . وفى المادة 268 نص صريح بأن " كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع فى ذلك يعاقب بالأشغال الشاقة من ثلاث سنوات إلى سبع سنوات , وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ 16 سنة كاملة يجوز إبلاغ مدة العقوبة لإلى أقصى الحد المقرر للأشغال الشاقة المؤقتة " .
فإذا جئنا إلى الزنا كما ورد فى الشريعة الإسلامية نجد الأقوال التالية : قال أبو حنيفة :" الزنا هو الوطء الموجب للحد , وأنه فى عرف الشرع واللسان وطء الرجل المرأة فى القبل " . وقال مالك بأن الزنا " هو تغييب الرجل حشفته فى فرج آدمى مطيق عمدا بلا شبهة " . أما الماوردى فقد جعل الزنا شاملا القبل والدبر فقال فى تعريفه للزنا بأنه " تغييب البالغ العاقل حشفة ذكره فى أحد الفرجين من قبل أو دبر ممن لا عصمة بينهما أو شبهة " . غير أن الرأى الراجح فى الفقه الإسلامى هو الذى يقصر الزنا على ما كان منه فى القبل دون الدبر , وخاصة أن الإتيان فى الدبر لا تتوفر فيه الحكمة من التحريم وهو ما يأخذ به القانون الوضعى الذى يعتبر الإتيان فى الدبر هتك عرض وليس زنا ويعاقب عليه بعقوبة أقل شدة .
وتستخدم بعض القوانين الجزائية العربية كلمة "مواقعة" ومعناها المباضعة والمخالطة . كذلك قد تستخدم كلمة " الجماع " ولها نفس المعنى . وعلى ذلك فإن الوطء والمباضعة والمخالطة والجماع هى أوصاف مختلفة لفعل واحد وهو الزنا الذى قد يوصف أيضا بالنكاح , وإن كان للنكاح معنيان , أحدهما عقد الزوجية , والثانى الوطء أو المواقعة أو الجماع وكلها سواء ( عن كتاب زنا المحارم للدكتور أحمد المجدوب 2003 , مكتبة مدبولى ) .
وهناك لفظ آخر فى الثقافة العربية وهو " المباشرة " , ويعنى الأفعال التى تسبق الوطء مثل اللمس والنظر إلى الأعضاء التناسلية , والتقبيل والعناق والمفاخذة , وقد يؤدى هذا إلى الوطء الكامل بعد ذلك أو لا يؤدى .
فإذا جئنا إلى تعبير التحرش الجنسى , وهو تعبير – كما ذكرنا – يبدو جديدا على الثقافة العربية فهو ترجمة للتعبير الإنجليزى : Sexual Harrassment أو ٍSexual Assault , وبالبحث عن معنى الكلمة فى القاموس وجدنا المعاتى التالية ( المعجم الوجيز , عام 2000 طبعة وزارة التربية والتعليم , مصر , ص 144 ) : حرشه حرشا : خدشه . وحرش الدابة : حك ظهرها بعصا أو نحوها لتسرع . وحرش الصيد : هيّجه ليصيده . والشئ الحرش : الخشن . وحرّش بينهم : أفسد بينهم . وتحرّش به : تعرّض له ليهيّجه.
ويتضح من هذه المعانى اللغوية أن لفظ التحرش يجمع بين القول والفعل , وأنه يحمل معنى الخشونة أو التهييج أوالإعتداء الخفيف . وهذا المعنى اللغوى العربى بالإضافة إلى دلالات المعنى الإنجليزى يتفقان على جمع معنى التحرش للقول والفعل , وهذا يدفع قول القائلين بأن التحرش يتوقف عند القول فقط دون الفعل , وأن الفعل يدخل فى نطاق هتك العرض . والحقيقة أن التحرش درجة أقل من هتك العرض بمعناه القانونى فالأول يتضمن إيماءات أو تلميحات أو نظرات أو كلمات أو لمسات أو همسات ليست بنفس درجة الفجاجة والعنف فى هتك العرض , ولكنها تجرح مشاعر أى أنثى محترمة تعتز بكرامتها الإنسانية وبهويتها الأنثوية . ولهذا نقترح هذا التعريف للتحرش سواء كان من ذكر لأنثى أو من أنثى لذكر أو بين طرفين من نفس الجنس :
" التحرش الجنسى هو أى قول أو فعل يحمل دلالات جنسية تجاه شخص آخر يتأذى من ذلك ولا يرغب فيه " .والتعريف بهذا الشكل يجمع بين الرغبة الجنسية والعدوان من طرف إلى طرف بغير تراض . والتحرش بهذا المعنى يجمع بعض عناصر المراودة التى ذكرناها من قبل والتى وردت فى سورة يوسف وبين هتك العرض , ولكنها لا تقتصر على أيهما . والتحرش قد يكون بنظرة فاحصة متفحصة داعرة ولكن هذا مما يصعب إثباته لذلك اكتفينا فى التعريف بالقول أو الفعل , ومع هذا إذا وجدت طريقة أو شهود يثبت بها تلك النظرة تصبح تحرشا . وقد نحتاج إضافة شئ فى القانون يغطى أعمال التحرش مع ذكر أمثلة لها استجدت فى واقع الحياة العصرية ولم تغطها عقوبات هتك العرض والتى صيغت فى ظروف مجتمعية كانت تتسم بالفصل بين الرجال والنساء فلى أغلب الأحوال , أما الآن ومع هذا الحضور الأنثوى فى كل مكان وكل موقع , ومع هذا الإقتراب بين الجنسين فى الشارع والمواصلات وأماكن الدراسة أو العمل المفتوحة والمغلقة ,أصبح هناك احتياجا لضبط وتقنين السلوكيات بشكل أكثر دقة وتفصيلا .
* حجم الظاهرة :
فى دراسة للدكتور أحمد عبدالله (2006 ) تبين أن أكثر من 60% من الفتيات يذكرن أنهن قد تعرضن للتحرش بصورة أو بأخرى خلال حياتهن . وفى دراسة للدكتور على إسماعيل وآخرين (2006) على المرضى المترددين على عيادة الأمراض النفسية بمستشفى الحسين الجامعى تبين أن 9% من العينة قد عانوا من الإنتهاك الجنسى فى فترة من فترات حياتهم ( أو حياتهن ) . وفى دراسات تمت فى المجتمعات الغربية تبين تعرض الفتيات للإنتهاك الجنسى بنسبة 13% وتعرض الفتيان بنسبة 4% , والإنتهاك هنا يتراوح بين هتك العرض والزنا والإغتصاب .
* القيم الإجتماعية والتحرش :
يوجد فى بعض المجتمعات البدوية ما يعرف ب " صيحة الضحى " وهى تعنى أهمية صيحة أى امرأة فى وقت الضحى ( وقت الخروج للرعى وأداء المصالح ) وسرعة الإستجابة لهذه الصيحة من أقرب شخص يسمعها وهبته للنجدة , مع العقاب الشديد الذى توقعه القبيلة على من تعدى على حرمة المرأة . وفى التاريخ الإسلامى قام المعتصم بتجييش الجيوش لغزو الروم استجابة لصيحة امرأة قالت فى لحظة غبن " وامعتصماه" .
أما الآن فقد تراجعت هذه القيمة كثيرا ولم يعد الرجل ( أو المجتمع ) ينتفض لاستغاثة امرأة (اغتصبت فتاة فى ميدان العتبة فى القاهرة فى وضح النهار ولم يغثها أحد , وحدث تحرش جماعى بالفتيات فى يوم العيد فى شارع طلعت حرب فى وسط القاهرة ولم يتحرك أحد , أو تحرك القليلون متأخرا جدا ) , وربما يكون هذا راجعا إلى نظرة المجتمع المعاصر للمرأة على أنها مخلوق أدنى أو مخلوق شرير أو أنها خرجت إلى الشارع وإلى الحياة لتزاحم الرجل وتخطف منه فرص العمل والتفوق لهذا يتركها تواجه مصيرها , وربما يشمت فيها الرجل إن تعرضت لسوء . وقديما كانت الأسرة ترفض أن يعاكس ابنها فتاة فى الشارع أو عن طريق التليفون , والآن لا نجد مثل هذا الرفض بل أحيانا تساعد الأم ( أو تصمت ) على علاقات ابنها العاطفية أو تفعل ذلك أحد الأخوات دون حرج .
* طرق التحرش :
1 – لفظية : واللفظ هنا يختلف عن ألفاظ الغزل الرقيقة والمتوددة , فهو يميل إلى الفجاجة والصراحة الجارحة , ويميل إلى الدلالات الجنسية , وأحيانا يستخدم المتحرّش ألفاظا سوقية يعبر بهل عن أطماعه فى الضحية , وأحيانا أخرى تأخذ معنى المراودة بما تتضمنه من إغواء وإغراء وإثارة .
2 – جسدية : وجسدية هنا تتضمن النظرة الفاحصة المتفحصة , أو الإيماءة الفاضحة الجارحة , أو استعراض بعض أعضاء الجسم وخاصة الأعضاء الجنسية , أو أخذ أوضاع معينة ذات دلالات جنسية , أو اللمس أو التحكك أو الضغط , أو محاولة الإمساك بالضحية أو ضمها أو تقبيلها عنوة .
* أماكن التحرش :
1 – خارج البيت : يمكن أن يحدث التحرش فى الشارع ويكون فى صورة كلمات بذيئة أو نظرات متفحصة أو اعتراض لطريق لضحية أو محاولة لمسها أو الإحتكاك بها , وقد يبدو هذا وكأنه غير مقصود بحيث إذا اعترضت الضحية ادّعى الجانى بأن هذا حدث صدفة دون قصد .وفى وسائل المواصلات يغلب أسلوب التحكك واللمس والضغط بحجة الزحام أو محاولة المرور من بين الناس , أو قد يظهر بعض الركاب أنه نائم فيلقى بيده أو رجله أو رأسه على أحد أجزاء جسد الضحية على اعتبار أنه ليس على النائم حرج , فإذا تقبلت الضحية أكمل مشوار التحرش أما إذا شكت أو تململت فإنه يبدى اعتذاره ويتعلل بنومه .ولهذا تم تخصيص عربات ترام للنساء ( حتى فى لندن ) لحمايتهن من التحرش ( ومع هذا نجد الكثيرين من النساء والفتيات يفضلن الركوب فى عربات الرجال رغم أنها أكثر اذدحاما !!!!!!! ) , وفى كثير من الأحيان يحرص من يقطع التذاكر فى القطارات أو الحافلات على أن يجعل النساء فى كراسى متجاورة حتى لا يعرضهن لمضايقات المتحرشين , وهذا تقليد جميل نرجو أن يقنن . وفى الأسواق حيث الزحام والصخب وانشغال الناس بالفرجة والمساومة على الأسعار تكثر اللمسات والإحتكاكات , ولذلك يقصد العابثون الاسواق بالذات لتحقيق أغراضهم . وعلى الشواطئ حيث تسود حالة من التراخى فى القيم والأعراف على اعتبار أن الشاطئ مكان للهو والمرح , تنطلق رغبات المتحرشين فى صورة تأمل وتفحص للأجساد العرية ثم تعليقات على صاحبات الأجساد وإذا أمكن محاولات الإقتراب فاللمس بدرجاته على غير رغبة من الضحايا .وفى حمامات السباحة حيث تتعري الأجساد وتقترب يجد المتحرشون فرصة للإقتراب أو الإصطدام الذى يبدو غير مقصود ولا مانع لديهم من التظاهر بالإعتذار , والإعتذار نفسه يعطى للمتحرش فرصة للإقتراب والحديث مع الضحية وتصويب النظرات إليها عن قرب . وفى السينما حيث الظلام والتجاور بين الناس من كل الجهات يجد المتحرش الفرصة للمس أو القرص أو الضغط بالإيدى أو الأرجل أو إصدار تعليقات سخيفة وخارجة وجارحة على مسمع من الضحية . وفى أماكن العمل المزدحمة أو المغلقة أو المعزولة خاصة إذا كانت هناك فرصة للخلوة الآمنة تستيقظ رغبات المتحرش ( أو المتحرشة ) وتخرج فى صورة نظرات ذات معنى أو كلمات ذات دلالة أو حركات أو لمسات أو همسات . وفى السجون حيث الحرمان الجنسى للجنسين والوحدة والعزلة وفقد الأمل والفراغ , كل هذا يوقظ الغرائز الدنيا فى الإنسان ويدفعه دفعا للتحرش وربما هتك العرض أو الإغتصاب , ولهذا تدعو جمعيات حقوق الإنسان إلى إتاحة الفرصة للمسجونين والمسجونات بالإلتقاء بزوجاتهم وأزواجهن لتصريف هذه الطاقة فى مساراتها الشرعية وذلك للتقليل من دوافع الإنحراف داخل السجون ولتلبية الإحتياجات الإنسانية الفطرية بشكل صحيح . ولا تخلو بعض الأماكن الراقية مثل النوادى من محاولات التحرش بأشكالها المختلفة . وفى الدروس الخصوصية تم رصد الكثير من حالات التحرش بالفتيات أو بالأطفال بعضها تم الإبلاغ عنه وبعضها يتم التغطية عليه اتقاءا للفضيحة أو تجنبا للمشاكل , وبما أن الدروس الخصوصية أماكن لالتقاء الشباب والرجال بالفتيات والأطفال فى أماكن مغلقة لا تخضع لأى رقابة حكومية أو أسرية لهذا تكثر حالات التحرش وماهو أكثر من التحرش فى هذه الأجواء الخفية والمعزولة .
وقد يحدث التحرش فى بعض العيادات أو المستشفيات حين تمتد عين أو يد الطبيب أو التمريض أو المساعدين إلى جسد المريضة فى غير ذات ضرورة . وفى مكاتب المديرين ورجال الأعمال حيث السكرتيرة الحسناء والمدير المتألق ينشط الطمع الذكورى لدى الرجل النرجسى فيرى أن جسد السكرتيرة وجمالها ملك يمينه , وربما تتحرش هى أيضا به فالجو فى داخل المكتب المغلق والتواجد الطويل والمريح معا يساعد كثيرا على ذلك .أما فى دور العبادة فربما يصعب تخيل وجود حالات تحرش حيث الجو الروحانى وحيث أن الناس تذهب إلى هناك لأداء العبادات وليس لإشباع الرغبات , إلا أن الواقع يقول بأن ثمة حالات تحرش تمت وتتم فى بعض دور العبادة حيث يأخذ المتحرش دور الواعظ أو المعلم أو المحفظ ويختلى بالأطفال أو (تختلى بالفتيات) وهنا يحدث المحظور وقد يأخذ شكل لمسات أو أحضان قد تبدو أبوية ثم تتطور مع الوقت إلى أشياء أكثر وضوحا , وقد يخشى أو يخجل الطفل من الإفصاح عنها لأبويه فيستمر الوضع لشهور أو سنوات والأبوين مطمئنين لوجود ابنهما أو ابنتهما فى أحد دور العبادة تحت رعاية شيخ أو واعظ أو محفظ يتظاهر بالتقوى والورع .
2 – داخل البيت : وقد يحدث التحرش من أحد المحارم كالأب أو الأخ الأكبر أو الأم أو الأخت الأكبر , أو من أحد الأقارب كالعم أو الخال أو غيرهم . والإيذاء النفسى الذى يحدث من تحرش أحد المحارم أو أحد الأقارب يفوق بكثير ما يحدث من الغرباء فهو يأتى ممن يتوقع منهم الرعاية والحماية والمحافظة , لذلك حين يحدث تهتز معه الكثير من الثوابت وتنهار الكثير من الدعائم الأسرية والإجتماعية وتدع الضحية فى حالة حيرة واضطراب .
* بيئة التحرش :
يبدو أن الظروف الحياتية الحالية تمثل ما يمكن أن نطلق عليه " بيئة محرضة على التحرش " ونذكر منها ما يلى :
1 - الإذدحام : فحين تتقارب الأجساد إلى درجة الإلتصاق فى البيت والشارع والمواصلات والمدارس والجامعات والنوادى والشواطئ وفى كل مكان فإن هذا يشكل أرضية مهيجة ومنشطة لدوافع التحرش لدى المهيئين لذلك , وربما لدى غيرهم لممارسة التحرش . وهناك لدى علماء الإجتماع ما يسمى بالمساحة الحضارية وهى المساحة التى يتحرك الفرد فيها داخل المجتمع , ومن المعروف أنه كلما تقلصت هذه المساحة الحضارية كلما كثرت الإحتكاكات والمشكلات فى التعامل بين الناس وزادت الميول العدوانية .
2 - اقتراب الجنسين فى كل مكان : فنظرا لخروج الفتيات والنساء للدراسة والعمل فقد أصبح الحضور الأنثوى والإقتراب الأنثوى أحد مظاهر الحياة الحالية , وفى غياب الإشباع الكافى لاحتياجات الجنسين وغياب القيم الأخلاقية والدينية , تندفع النفوس المحرومة والمنفلتة تخطف ماليس من حقها متعللة بالحرمان أو القرب.
3 – العشوائيات : وهى بيئة تجمع بين الإذدحام والفقر والحرمان والتلوث البيئى والأخلاقى , ولذلك فهى بيئة نموذجية لتصدير كل الأمراض والتشوهات الأخلاقية والإجتماعية إلى بقية قطاعات المجتمع وطبقاته .
4 - الخطاب الدينى والإعلامى : فالخطاب الدينى المتشدد الذى يصور المرأة على أنها جسد مدنس مسكون بالغواية والإغراء ويجب إخفاءه أو وأده بعيدا عن الأنظار , هذا الخطاب يجعل المرأة جسدا مرغوبا بالفطرة الطبيعية لدى الذكور ومكروها ومحتقرا فى نفس الوقت لدنسه وغوايته . وهذه التركيبة تشكل أرضية للتحرش فالمتحرش هنا يتوق إلى هذا الجسد ويرغبه وفى نفس الوقت يخافه ويحتقره . والخطاب الإعلامى على الرغم من تناقضه مع الخطاب الدينى المتشدد إلا أنه يصل تقريبا إلى نفس النتيجة فهو يعرض جسد المرأة عاريا ويستخدمه للترويج للسلع والأفلام والمسرحيات والأغانى فيبعث برسالة إلى المشاهد مفادها أن المرأة عبارة عن جسد جميل ملئ بالإغواء والإغراء ونداءات المتعة . إذن فكلا الخطابين يصلان إلى نتيجة واحدة (على الرغم من تناقضهما الظاهرى) مفادها أن المرأة ليست كيانا إنسانيا جديرا بالإحترام والحب والمودة والرعاية وإنما هى كائن شيطانى ملئ بألوان المتعة والغواية . ولهذا نجد المتحرش يحمل فى تكوينه كلا من الرغبة الجنسية والعدوان تجاه المرأة التى يتحرش بها فهو يريد أن يستمتع بجسدها دون اعتبار لها كإنسانة محترمة , فيخطف منها ما يريد ويتركها هملا بلا أى اهتمام أو رعاية .
5 - المسكرات والمخدرات : وهى تساعد الشخص على إخماد قوى الضبط النفسى والأخلاقى , وبالتالى تحدث لديه حالة من الإنفلات وحالة من غيبوبة الضمير .
* نماذج التحرش :
يأخذ التحرش أحد الصور التالية :
1 – تحرش فردى: مدير مع سكيرتيرته , موظف مع زميلته , مدرس مع تلميذته ..... الخ .
2 – تحرش جماعى : ويحدث حين يتجمع عدد من الأشخاص حول ضحية , وخطورة هذا النوع أن التجمع يعطى حالة من الجرأة وعدم الشعور بالمسئولية الفردية وربما يدفع للتنافس بين المتحرشين فيأتون بأفعال يصعب قيام أحدهم بها على المستوى الفردى , وهذا ما حدث فى التحرش الجماعى فى وسط القاهرة أمام سينما مترو وفى شارع طلعت حرب فى عيد الفطر 2006 وأحدث حالة من الهرج والمرج والهلع الشديد لدى الضحايا ولدى غيرهم إذ ظهر الشباب المتحرش فى حالة انفلات غرائزى شديد ومتبجح وغير معتاد فى المجتمع المصرى .
3 – تحرش سلطوى : ويتم فى الدول البوليسية المستبدة حيث يقوم الجهاز الأمنى بالتحرش بالمعارضين أو التحرش بزوجاتهم أو بناتهم بهدف نزع الإعترافات أو الضغط النفسى الشديد عليهم , وقد يتجاوز الأمر من التحرش إلى الإنتهاك أو الإغتصاب , وهذا يشكل قمة العدوان على كرامة الإنسان لأنه يصيبه فى شرفه وكرامته وكيانه الإنسانى يهدم فيه كل هذه المعانى . ويكثر التحرش الجنسى السلطوى تجاه المعارضات من الفتيات والنساء حيث يعلم النظام السلطوى المستبد حساسية هذه الأمور بالنسبة لأى فتاة أو امرأة فيعمد إلى تسليط أعوانه للتحرش بالمعارضات فى المظاهرات أو أثناء الإنتخابات وذلك لبث الرعب فى نفوسهن ونفوس غيرهن . وهذا التحرش السلطوى يحدث حين تنحدر أخلاقيات النظام الأمنى والسياسى إلى الدرك الأسفل من السلوك , وهو دلالة على فقد الشرعية وعلى فشل هذا النظام فى التحاور والمنافسة الشريفة .
4 – تحرش عكسى : وهو يعنى أن تتحرش الأنثى بالرجل , وهو عكس المعتاد من تحرش الرجل بالأنثى على أساس أن الرجل هو الأقوى جسديا وهو المبادر بالتحرش فى أغلب الأحيان بسبب طبيعته الذكورية , ومع هذا نجد نماذج من تحرش المرأة بالرجل خاصة لو كانت أكبر سنا أو أكثر خبرة أو أعلى فى المنصب أو المكانة الإجتماعية , أو امرأة مسترجلة , أو لديها ميول جنسية مضطربة أو سادية النزعة .
* سيكولوجية التحرش :
سوف نتتبع التركيبة النفسية لعملية التحرش على المحاور التالية :
1 – المتحرش : قد يكون المتحرش من النوع السادى الذى لا يستمتع بالعلاقات الجنسية العادية وإنما يسعده أن يأخذ ما يريده من الطرف الآخر بقدر من العنف والإجبار والقهر ,أو يكون من النوع الإستعرائى الذى يجد متعته فى استعراض أعضائه التناسلية أمام الضحية ويستمتع بنظرة الدهشة والإستغراب والخوف على وجه من يراه وكثير منهم تحدث له النشوة ويقذف لمجرد حدوث هذه الأشياء .وهناك النوع التحككى الذى يجد متعته فى الإلتصاق بالضحية فى الزحام والتحكك بها حتى يصل إلى حالة النشوة والقذف .أما النوع الهستيرى فيغلب وجوده فى النساء حيث تتحرش المرأة الهستيرية بالإغواء والإغراء للرجل الضحية لفظيا وجسديا حتى إذا تحرك نحوها صرخت واستغاثت بمن حولها لإنقاذها من هذا الحيوان الذى يريد اغتصابها , والشخصية الهستيرية تفتقد للثقة بنفسها لذلك تسعى للإغواء والإيقاع بالضحية لكى تطمئن على قدرتها على ذلك ثم تتعمد توسيع الدائرة لكى يعلم عدد من الناس كم هى مرغوبة ومطلوبة وكم هى جذابة لدرجة تخرج الناس عن طورهم . كل النماذج السابقة تعتبر نماذج مرضية مضطربة , والتحرش لا يقتصر على تلك النماذج بل يمكن أن يحدث من أشخاص عاديين فى ظروف تشجعهم على ذلك , وهذا ما نسميه " التحرش العرضى " أو " التحرش الموقفى " , بمعنى أنه سلوك عارض فى حياة الشخص أو سلوك ارتبط بموقف معين وليس بالضرورة أن يتكرر , على عكس التحرش المرضى الذى سبق وفصلناه ففيه الفرصة للتكرار لأن وراءه دوافع متجددة تدفع الشخص للتورط فيه من آن لآخر . وكون التحرش مدفوع باضطرابات مرضية لا يعفى صاحبه من المسئولية كما قد يظن البعض أو يتخوف , وإنما ربما يفسر لنا ما يحدث وينبهنا لإمكانية تكرار حدوثه , وربما فقط يخفف العقوبة فى بعض الظروف .
2 – المتحرش بها : قد تكون التحرش بها عرضيا أو موقفيا بمعنى أنه يحدث فى ظروف معينة وأنها لا تقوم بسلوكيات مقصودة أو غير مقصودة تدفع لتكرار التحرش . أما القابلية لحدوث التحرش وتكراره فتكون أكثر فى الشخصيات الهستيرية والتى تقوم بالإغواء كما ذكرنا لتثبت لنفسها أولا وللآخرين ثانيا أنها جذابة ومرغوبة وهى لذلك تحرص على التشهير بمن تحرش بها على الرغم من أنها لعبت دورا أساسيا فى حدوث التحرش فهى جانية ومجنى عليها فى ذات الوقت , وهذه الشخصيات لديها تاريخ طويل فى تحرش الناس بها فتحكى أن والدها قد تحرش بها وكذلك أخيها الأكبر وزميلها فى المدرسة ومدرسها الخصوصى والطبيب الذى يعالجها ورئيسها فى العمل , وكأن الرجال كلهم يتحرشون بها لفرط جمالها وجاذبيتها على الرغم من أن الشخصية الهستيرية تعانى فى داخلها من البرود العاطفى والجنسي لذلك تحاول أن تعوض ذلك بسلوك إغوائى .وهناك الشخصية السيكوباتية التى تدفع الآخرين للتحرش بها بهدف ابتزازهم وتحقيق مصالح معينة من هذا الإبتزاز , وقد يحدث هذا فى مجالات السياسة أو مجالات الجاسوسية أو فى وسط رجال الأعمال. أما الشخصية الماسوشية فهى تستمتع بالإهانة والإذلال والعنف الذى يمارسه المتحرش ضدها فلديها إحساس عميق بالذنب والإنحطاط وانعدام القيمة وأنها جديرة بالقهر والإذلال والإمتهان وهى تشعر بالراجة حين يمارس ضدها أى عنف جنسى أو جسدى , وهى لا تميل إلى الشكوى أو التشهير بالمتحرش ( كما تفعل الشخصية الهستيرية ) وإنما تكتفى بما تحصل عليه من إهانة وقهر وإذلال .
3 – الإحتياجات : وضع عالم النفس الشهير أبراهام ماسلو ما يسمى بهرم الإحتياجات فوضع فى قاعدته الإحتياجات الأساسية ( أو البيولوجية ) وهى الطعام والشراب والمسكن والجنس , ويعلوها الإحتياج للأمن ويعلوه الإحتياج للحب , ويعلوه الإحتياج للتقدير الإجتماعى , ويعلوه الإحتياج لتحقيق الذات , ويعلوه الإحتياجات الروحية . فإذا فقد الإنسان أحد هذه الإحتياجات أو بعضها أو أغلبها فإنه يسعى لإشباعها من نفس نوع الإحتياج إن وجد أو من احتياج آخر أعلى أو أدنى حسب ما يتاح له . فمثلا إذا فقد الإنسان الحب أو فقد التقدير الإجتماعى أو فقد القدرة على تحقيق ذاته ,أو فقد القدرة على التواصل الروحى فإنه ربما يلجأ إلى التحرش أو الإنغماس فى الجنس أو القمار أو المخدرات فى محاولة منه لسد فجوة الإحتياج المفقود . وقياسا على هذا نستطيع القول بأن الشباب الذين قاموا بالتحرش الجماعى فى وسط القاهرة كانوا يفتقدون ربما الإحساس بالكرامة أو الإحساس بالقيمة أو الإحساس بالحب أو الإحساس بالأمان أو فقدوا القدرة على الإشباع الجنسي بطريق شرعى فانطلقوا يعوضون هذه الإحتياجات المفقودة من خلال التحرش .
4 – الدوافع والضوابط : يتميز الإنسان الطبيعى بحالة من التوازن بين الدوافع والضوابط , وهذا ما يجعله يتمكن من السيطرة على دوافعه بناءا على الإعتبارات الدينية والأخلاقية والإجتماعية . وضوابط الإنسان ليست كلها داخلية متمثلة فى الضمير الشخصى , ولكن هناك الضابط الإجتماعى المتمثل فى ضغط الأعراف والتقاليد , وهناك الضابط القانونى الذى يمثل نوعا من الردع خاصة لأولئك الذين لم يردعهم الضمير ولم تردعهم الأعراف والتقاليد الإجتماعية . وإذا ضعف أى من هذه الضوابط أو ضعفت كلها , أو طغت الدوافع فإننا نتوقع خروج الرغبات ( العدوانية والجنسية ) فجة ومتحدية ومهددة للسلام الإجتماعى .
* الآثار النفسية للتحرش الجنسي :
هناك آثار سريعة تظهر مباشرة أثناء حالة التحرش وتستمر بعدها لعدة أيام أو أسابيع وتتلخص فى حالة من الخوف والقلق وفقد الثقة بالذات وبالآخرين وشعور بالغضب من الآخرين وأحيانا شعور بالذنب . والشعور بالذنب هنا يأتى من كون المرأة حين تتعرض للتحرش كثيرا ما تتوجه لنفسها باللوم وأحيانا الإتهام , ولسان حالها يقول لها : " ماذا فعلت لكى يفكر هذا الشخص فى التحرش بك ؟ " .... " يبدو أن فيك شيئا شجع هذا الشخص على أن يفعل ما فعل " .... " يبدو أنك فعلا سيئة الخلق وعديمة الكرامة " ..... " لماذا طمع فيك أنت بالذات ؟؟ " ..... " إنه يظن أننى من أولئك النساء الساقطات " .... " هل يكون قد سمع عنى شيئا شجعه على ذلك ؟؟؟ " .
وهناك آثار تظهر على المدى الطويل وتتمثل فيما نسميه بكرب ما بعد الصدمة خاصة إذا كان التحرش كان قد تم فى ظروف أحاطها قدر كبير من الخوف والتهديد للشرف أو للكرامة أو لحياة الضحية وسلامتها , وهنا تتكون ذاكرة مرضية تستدعى الحدث فى أحلام اليقظة أو فى المنام وكأنه يتكرر مرات كثيرة كما يحدث اضطراب نفسى وفسيولوجى عند مواجهة أى شئ يذكر الضحية بالحدث , ويتم تفادى أى شئ له علاقة بالحدث , ويؤدى ذلك إلى حالة دائمة من الخوف والإنكماش والتردد وسرعة التأثر . كما أن الضحية تفقد قدرتها على الإقتراب الآمن من رجل , وإذا تزوجت فإنها تخشى العلاقة الحميمة مع زوجها لأنها تثير لديها مشاعر متناقضة ومؤلمة .
* طرق الوقاية من التحرش :
هناك استراتيجيتان للتعامل مع حالات التحرش :
1 _ التفادى : وتعنى تجنب الأماكن والمواقف التى يتوقع فيها التحرش مثل الأماكن المعزولة أو المغلقة التى يسهل الإنفراد فيها بالضحية , أو الأماكن المزدحمة , أو التواجد مع أشخاص بعينهم يتوقع منهم هذا السلوك . وتتعلم الفتاة بشكل خاص أن تتجنب المواصلات المزدحمة , وأن تستفيد من وجود العربات المخصصة للنساء فى الترام , وإذا ركبت تاكسى أن لا تركب بجوار السائق فى الكرسى الأمامى وأن لا تتبسط إليه فى الحديث بدون داعى , وإذا ذهبت إلى عيادة الطبيب أن لا تذهب وحدها , وأن تعرف الأسرة ظروف وأماكن الدروس الخصوصية لبناتها وأبنائها ........ إلخ . واستراتيجية التفادى قد تمنع حوالى 75% من حالات التحرش ومواقفه دون مشكلات تذكر .
2 – المواجهة : وفيها تواجه المتحرش بها الشخص المتحرش , إما بنظرة حازمة ومهددة , أو بكلمة رادعة ومقتضبة , أو بتغيير مكانها ووضعها , أو بتهدديده وتحذيره بشكل مباشر , أو بالإستغاثة وطلب المساعدة ممن حولها , أو بضربه فى بعض الأحيان . واستراتيجية المواجهة تحتاج لذكاء وحسن تقدير من الضحية , وليس هناك سيناريو واحد يصلح لكل المواقف , وإنما يتشكل السيناريو حسب طبيعة الشخص وطبيعة الظروف . وهناك طرق قد تبدو طريفة فى المواجهة تستخدمها بعض الفتيات مثلا فى وسائل المواصلات فبعضهن يستخدمن دبوسا ضد من يحاول التحكك بهن , وهى وسيلة دفاع صامتة وقد تكون مؤثرة ورادعة , وبعضهن يتعلمن وسائل الدفاع عن النفس مثل الكاراتيه والتايكوندو والكونجفو لتتمكن من الدفاع عن نفسها دون الحاجة للمساعدة الخارجية , خاصة حين تضعف السلطات الأمنية أو تتغيب أو تنشغل بحماية أولى الأمر عن حماية الشعب أو تضعف النخوة والمروءة فى المجتمع .. ويعيب استراتيجية المواجهة أنها ربما تحدث ضجة أو فضيحة لا تحبذها المرأة أو الفتاة فى مجتمعاتنا المحافظة , على الرغم من أن فيها ردع قوى لكل من تسول له نفسه بالتحرش بأى فتاة .
وهناك تعليمات عامة لمن تواجه حالة تحرش نذكر منها :
- حاولى الإنتقال قدر الإمكان إلى مكان أكثر أمانا بعيدا عن المتحرش فمثلا إذا كنت فى وسيلة مواصلات فعليك بالنزول منها أو تغيير مكانك فيها حسب ما يتطلب الموقف , وقد تطلبين من أحد الركاب الجالسين ممن تتوسمين فيه الخير أو المروءة أن يقوم لتجلسي مكانه ولا مانع من أن توصليه رسالة موجزة بأنك تتعرضين لمشكلة وهو سيفهم ويساعد فى الأغلب . وإذا كنت فى مكان مغلق فعليك الإنتقال فى أسرع وقت إلى مكان مفتوح حتى لا ينفرد بك المتحرش . أما إذا كان الإبتعاد عن المتحرش غير متاح فعليك أن تواجهيه بنظرة حازمة وغاضبة ورافضة ومؤكدة , وأن تعلنى رفضك بكلمات قليلة ومحددة , دون الدخول فى نقاش معه . لا ترفعى صوتك ولا تستخدمى كلمات جارحة . لاتقولى له من فضلك أو لو سمحت أو أى كلمات من هذا القبيل ولا تفتحى معه مجالا للمناقشة , ولا تجيبى على أى أسئلة يوجهها إليك المتحرش ولا توجهى أنت إليه أي أسئلة . باختصار اقطعى عليه الطريق باستخدام النظرة الحازمة الرافضة الغاضبة واستخدام كلمات قليلة محددة ومؤكدة ورافضة . والمتحرش فى أغلب الحالات يكون جبانا لذلك يتراجع عند أول بادرة رفض أو تهديد .
وإذا كنت أما وتريدين حماية ابنتك من التحرش فافعلى ذلك دون إثارة حالة من الرعب والفزع فى نفسها , فمثلا أوصها ألا تسمح لأحد غريب باصطحابها إلى أى مكان , أو أن يتحسس جسمها أو يكشف ملابسها , أو يعبث بها , وأن لا تدخل فى أماكن مغلقة مع رجل سواء فى محل بقالة أو مكتبة أوغيرها , وأن لا تمشى فى أماكن معزولة , أو فى أوقات متأخرة من الليل . ولا تلبسى هذه التنبيهات ثوبا جنسيا وإنما علميها إياها من خلال وجوب محافظتها على كرامتها وسلامتها .
ويحتاج المجتمع لأن يقى أبنائه وبناته شر التحرش وأن يجنبهم آثاره وذلك بتيسير إشباع الإحتياجات الإنسانية بطرق مشروعة , والحد من المواد الإعلامية والإعلانية المثيرة للغرائز , وترشيد الخطاب الدينى الذى يصور المرأة على أنها جسد شيطانى شهوانى يجب تغييبه عن الحياة تماما وعزله بالكامل داخل غرف مغلقة بعيدا عن أعين الرجال الحيوانيين . ويحتاج المحتمع لأن يرعى وينمى فى أبنائه ضوابط الضمير والضوابط الإجتماعية والضوابط القانونية للحفاظ على التوازن الصحى بين الدوافع والضوابط .
الوقاية من فرط الوقاية :
يبدو أن تجنب السلوك الوسواسى فى الوقاية لا يقل أهمية عن أمر الوقاية , فقد حكت لى أحد الأمهات أنها تسأل ابنتها البالغة من العمر عشر سنوات كل يوم حين عودتها من المدرسة أو من أى مكان تذهب إليه إن كان أحدا قد مسها أو لمسها أو تحرش بها أو حاول الإعتداء عليها , ولا تكتفى بذلك بل تقوم بفحصها أحيانا فحصا جسديا بحثا عن آثار الإعتداء الذى تخشاه أو تتوقعه . وهذا النموذج يتكرر بصورة أو بأخرى وبدرجات مختلفة بين نسبة غير قليلة من الأمهات , والأم هنا تعتقد أنها تقوم بواجبها الأمومى على خير وجه فى حين أنها تزرع فى ابنتها بذور الوسواس والشك تجاه مسألة العذرية وتجاه الأخطار المحيطة وتجاه الرجال " المتوحشين " أو "الحيوانيين" , ولا نتوقع بعد ذلك نموا نفسيا طبيعيا لهذه الفتاة التى مارست معها أمها ما نسميه " فرط الوقاية " أو " الوقاية الوسواسية " .
وبعض الأمهات أو الآباء من كثرة ما يسمعونه من حوادث التحرش والإعتداء الجنسى وخطف الأطفال واغتصابهم وقتلهم أحيانا , ربما يعمدون إلى منع أبنائهم وبناتهم من الخروج نهائيا من البيت , مع تحذيرهم من كل شئ يقترب منهم أو يحيط بهم , وهذا أيضا موقف مرضى يكون فى عقل الطفل ( أو الطفلة ) صورة مرعبة وغير حقيقية عن العالم المحيط به وعن الناس وهذا يحول بينه وبين الإحساس بالأمان ويحول بينه وبين الثقة بأى أحد من الناس , والناتج النهائى لكل هذه الصور من فرط الوقاية إما حالات قلق , أو وسواس , أو بارانويا .
الهاربة لربها- عضو جديد
- عدد المساهمات : 27
تاريخ التسجيل : 21/12/2009
____
اشكرك حبيبتي على الموضوع الرائع
الحب المستحيل- عضو جديد
- عدد المساهمات : 79
تاريخ التسجيل : 30/11/2008
العمر : 42
مواضيع مماثلة
» دور بنفسك جوا نفسك هتلاقى نفسك
» التحرش الجنسي بالاطفال(نار تأكل البراءه)1
» من انت اعرف نفسك ؟؟
» هل نظرت إلى عيوب نفسك قبل أن تنظر إلى عيوب الناس ؟
» التحرش الجنسي بالاطفال(نار تأكل البراءه)1
» من انت اعرف نفسك ؟؟
» هل نظرت إلى عيوب نفسك قبل أن تنظر إلى عيوب الناس ؟
شـموع الامـل للدعم النفسى وتطوير الـذات :: شموع الامل النفسية :: استشارات اجتماعية :: استشارات و مشاكل المراة النفسيه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء 10 يونيو - 5:52 من طرف ترانس مشعل
» التفكير.. خارج الخوف داخل الامل
الثلاثاء 10 يونيو - 5:51 من طرف ترانس مشعل
» الشعوب والحكومات ... مابين التمرد والعصيان والتطوير والإصلاح
الثلاثاء 10 يونيو - 5:49 من طرف ترانس مشعل
» التحول بين الواقع والخيال:طرق التحول الجنسي
الثلاثاء 10 يونيو - 5:47 من طرف ترانس مشعل
» لا تكن لطيفا أكثر من اللازم ..!
الثلاثاء 10 يونيو - 5:38 من طرف ترانس مشعل
» 50 نصيحة لك قبل أن تكبر.
الثلاثاء 10 يونيو - 5:32 من طرف ترانس مشعل
» سااعدوووووني
الإثنين 24 مارس - 15:19 من طرف Tomorrow is better
» وساوس و خوف شديد
الأربعاء 19 مارس - 6:47 من طرف Tomorrow is better
» طرق التحويل من خارج جمهورية مصر العربيه
السبت 11 مايو - 0:32 من طرف Admin